التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {هل أتاك حديث موسى 15 إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى 16 اذهب إلى فرعون إنه طغى 17 فقل هل لك إلى أن تزكى 18 وأهديك إلى ربك فتخشى 19 فأراه الآية الكبرى 20 فكذب وعصى 21 ثم أدبر يسعى 22 فحشر فنادى 23 فقال أنا ربكم الأعلى 24 فأخذه الله نكال الآخرة والأولى 25 إن في ذلك لعبرة لمن يخشى 26}

صفحة 7270 - الجزء 10

  · المعنى: ثم ذكر قصة موسي # فقال سبحانه: «هَلْ أتَاكَ» يا محمد «حَدِيثُ مُوسَى» هذا استفهام، والمراد التقرير، كما يقول الرجل لصاحبه: أعلمتَ كذا؟ فيقول: لا، وإني لمحتاج إلى معرفته، فيخبره بذلك، فخرج الكلام على حد التزيد يطلع السامع إلى شرحه والإبانة عنه «إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ» أي دعاه وقال: يا موسى، «بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ» المطهر «طُوًى» قيل: وادٍ، عن مجاهد، وقتادة، وقيل: طوى بالبركة، عن الحسن، وقيل: طوى بالتقديس، وقيل: واد بالشام عند الطور، عن أبي مسلم. وقيل: هو الموضع الذي كلم الله فيه موسى، عن أبي علي. «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ» فيه حذف، أي ناداه: يا موسى، ثم أمره بالذهاب، فقال: «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى» أي: جاوز الحد في الطغيان «فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَن تَزَكَّى» أي: هل تفعل يا فرعون ما تصير به زاكيا؛ أي: طاهرا عند الله، وهو أن يسلم، وذلك يشتمل على قبول ما يتعلق بالأصول والفروع، والتطهر من أدناس الكفر والفسق، وهذا تلطف في الاستدعاء، وإنما خص فرعون، وإن كان مبعوثا إلى الكل؛ لأنه كان الأصل فيهم، وهو يضلهم «وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ» أي: أدلك على معرفة الله، وأنه خلقك ورباك «فَتَخْشَى» قيل: فتخافه، فتفارق ما ينهاك عنه، وقيل: تعرفه، وتخشى عقابه، عن أبي علي «فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى» في الآية محذوف، وهو أنه جاء فرعون، وأدى رسالة ربه، وأراه الحجة الكبرى، وهي العصا تصير حية تسعى، واليد بيضاء تتلألأ من غير سوء «فَكَذَّبَ» فرعون موسى فيما أتاه به «وَعَصَى» قيل: عصى موسى، وقيل: عصى الله «ثُمَّ أَدْبَرَ» أي: تولى وأعرض عن الإيمان به «يَسْعَى» يعمل بالفساد، وقيل: لما رأى الحية في عظمها خاف منها فأدبر وسعى هربا، عن أبي علي «فَحَشَرَ» أي: جمع السحرة، وقيل: جمع الناس «فَنَادَى» فيهم «فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى» قيل: ليس رب فوقي، أراد أن يلبس عليهم، وقيل: أراد أن الأصنام أرباب، وأنا ربها وربكم، وقيل: أراد: القادة والسادة، وقيل: إنما ناداهم فقال: أنا ربكم فامنعوني من هذا الساحر، ومن هذه الحية، وهم - لفرط جهلهم - قبلوا ذلك مع ظهور ضعفه واستعانته بهم، فلما ظهرت الحية ولم يؤمن