التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {عبس وتولى 1 أن جاءه الأعمى 2 وما يدريك لعله يزكى 3 أو يذكر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له تصدى 6 وما عليك ألا يزكى 7 وأما من جاءك يسعى 8 وهو يخشى 9 فأنت عنه تلهى 10 كلا إنها تذكرة 11 فمن شاء ذكره 12}

صفحة 7283 - الجزء 10

  أيشق عليك إن لم يسلم؟! فلا يضرك كفره فإنما عليك البلاغ. {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} يمشي، يعني الأعمى {وَهُوَ يَخْشَى} أي: يخاف الله فجاء مسترشدًا {فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} تتغافل، وتعرض وتتشاغل بغيره {كَلَّا} ردع؛ أي: لا تفعل مثل ذلك بعدها، فليس ذلك بمرضي، ولا يليق بأخلاقك، وقيل: معناه حقًّا {إِنَّهَا} قيل: السورة. وقيل: الموعظة، وقيل: آيات القرآن. وقيل: هذه الآيات في هذه السورة {تَذْكِرَةٌ} أي: تبصرة وعظة واعتبار {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} قيل: من شاء ذكر القرآن والوعظ.

  · الأحكام: الآيات تتضمن أحكامًا:

  منها: معاتبة من أعرض عمن يخاف ربه، وبين العلة فيه بقوله: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}، ونبه بذلك على وجوب توقير المؤمنين، وأنه لا ينبغي ترك ذلك لرجاء إسلام أحد لعله لا يسلم، وفيه تعظيم حرمة المؤمنين.

  ومنها: أن الفضل بالإيمان لا بالغنى.

  ومنها: شدة حرصه على إسلامهم وإلحاحه عليهم.

  ومنها: أن الإسلام فعلُهم، وهم قادرون عليه، لولا ذلك لما أفادت دعوته وإلحاحه.

  ومنها: أن عليه البلاغ، وليس عليه التزكية والقبول.

  ومنها: ما ذكره شيخنا أبو علي أن هذا الفعل يكون معصية فيما بعد لمكان النهي، فأما في الماضي فلا يدل. وذكر الأصم أن عند نزول هذه الآيات تغير وجه رسول الله ÷ حين نزل قوله: {كَلَّا}؛ لأن المراد به ألَّا يفعل من بعد مثله.

  ومنها: شهادة الله لابن أم مكتوم بالإيمان ظاهرًا وباطنًا.