التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذا السماء انشقت 1 وأذنت لربها وحقت 2 وإذا الأرض مدت 3 وألقت ما فيها وتخلت 4 وأذنت لربها وحقت 5 ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه 6 فأما من أوتي كتابه بيمينه 7 فسوف يحاسب حسابا يسيرا 8 وينقلب إلى أهله مسرورا 9 وأما من أوتي كتابه وراء ظهره 10 فسوف يدعو ثبورا 11 ويصلى سعيرا 12 إنه كان في أهله مسرورا 13 إنه ظن أن لن يحور 14 بلى إن ربه كان به بصيرا 15}

صفحة 7339 - الجزء 10

  وفنائها إقامة الحجة على من قال بقدمها إذا رآها تتلاشى وتفنى. وقيل: إنما يحتاج إليها أهل الدنيا، فأما أهل الجنة والنار فلا حاجة بهم إليها، فتتلاشى. «وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا» قيل: سمعت وأطاعت، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة. وهذا مَثَلٌ يعني كأنها سمعت بإذن الله وأطاعت بانقيادها لتدبير أمر الله تعالى فمن لم يمتنع عليه شيء وصف بذلك. «وحُقَّتْ» قيل: حق لها أن تأذن بالانقياد لأمر ربها.

  وقيل: كانت محقوقة بالانشقاق، عن أبي مسلم. «وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ» بسطت باندكاك جبالها وآكامها حتى تصير كالصفحة الملساء، وهي من أشراط الساعة. وقيل: تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم في حديث مرفوع. وقيل: مدت وزيدت في سعتها، عن ابن عباس. وقيل: مدت: نقلت إلى غير مكانها. «وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ» قيل: أخرجت الأرض أثقالها وما فيها من الموتى والكنوز، عن قتادة، ومجاهد. وإنما قال: (ألقت) توسعًا؛ لأنه تفرج أجزاء الأرض، ويحيون فيخرجون، فأضافها إلى الأرض توسعًا كما قال: «وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ». وقيل: (تخلت) بمعنى خلت، فلم يبق في بطنها شيء، وتخلت وخلت اختلفا في البناء والمعنى واحد. «وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ» الأول في صفة السماء، والثاني في صفة الأرض، فليس بتكرير.

  «يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا» قيل: عاملٌ لله عملاً من خير أو شر، و (إلى) بمعنى اللام. وقيل: معناه: إنك تعمل عملاً في مشقة لتحمله إلى الله، وتوصله إليه للجزاء. وقيل: صائر بكسبك إلى ربك، قال القتبي: ناصب في معيشتك إلى لقاء ربك أي وقت الموت. «فَمُلَاقِيهِ» قيل: ملاقي رَبِّك، والمعنى: صائر إلى حكمه حيث لا حكم إلا لله. وقيل: ملاقي كدحك؛ أي: سعيك، قيل: تجده مكتوبًا في كتبك لتجازى وتحاسب. وقيل: يلاقي جزاءه، فذكر السعي وأراد الجزاء. وقيل: ملاقي ما وعد، عن أبي علي.