قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين 16}
  قلنا: لما كانت الواو من علامة الجمع كان الضم أدل عليها، وأشكل بها؛ لأنها زيدت بمعنى الجمع، فزيد بما هو أدل على الجمع، وقيل: لما كانت تلزمها الضمة قبلها - ما لم يعترض عليه - ثم احتيج إلى تحريكها حركت بالضم ليدل الضم فيها على الضم قبلها، فأما {لَوِ اسْتَطَعْنَا} فهو، على أصل الحركة في التقاء الساكنين.
  ويقال: لِمَ دخلت الفاء في قوله: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}؟
  قلنا: لأن في الكلام معنى الجزاء وجوابه، كأنه قال: إذا اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجاوتهم، فحمل الكلام على المعنى.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما هم عليه من الضلالة والخسران، فقال: «أُوْلَئِكَ» يعني المنافقين، الَّذِينَ تقدم ذكرهم «الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى» استبدلوا الكفر بالإيمان.
  ومتى قيل: كيف قال ذلك وهم لم يكونوا على هدى قط؟
  قلنا: للعلماء فيه وجوه:
  أولها: أن المراد ب «اشْترَوُا» اختاروا واستحبوا؛ لأن كُلَّ مُشْتَرٍ مُخْتَارٌ لِمَا اشتراه على ما بذله، وليس بالظاهر في كلام العرب اشتروا بمعنى اختاروا.
  وثانيها: أنهم آمنوا ثم كفروا، فهو عموم أريد به الخصوص، عن مجاهد، وليس بالجيد؛ لأنه صرف الكلام عن ظاهره من غير حجة، ولأن سياق الصفة على خلاف ما قال.
  وثالثها: تركوا الإيمان إلى الكفر، واستبدلوه به، عن ابن عباس وابن مسعود وأبي علي وجماعة، وهو الأولى.
  ورابعها: أنهم ولدوا على الفطرة كما جاء في الخبر، فتركوا ذلك إلى الكفر، فكأنهم استبدلوا الكفر.
  وخامسها: استبدلوا بالإيمان الذي كانوا عليه قبل البعثة؛ لأنهم كانوا يؤمنون بمحمد ÷ ويبشرون به، فلما بعث كفروا به، فكأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان، عن مقاتل والكلبي.