التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين 16}

صفحة 262 - الجزء 1

  وسادسها: أنه لما كان الكافر مُتَمَكِّنًا منهما فاختار الكفر على الإيمان، فقد ترك الإيمان إليه، وصار كالمستبدل.

  وسابعها: أنهم آمنوا ظاهرًا، ثم تركوا الإيمان باطنًا.

  واختلفوا في الضلالة بالهدى، فقيل: الكفر بالإيمان، عن أكثر المفسرين، وقيل: اشتروا: اختاروا العذاب والهلاك على الهدى، يعني: طريق الجنة والثواب، كقوله: {وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ} الآية، عن أبي مسلم. «فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهم» أي لم ينتفعوا بذلك.

  ومتى قيل: لِمَ قال: «فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ»، ولَم يقل: ما ربحوا في تجارتهم، والرابح هو التاجر؟

  قلنا: هو فصاحة في كلام العرب، يقال: لَيْلُكَ قَائِم، ونهارك صائم، قال الشاعر:

  حَارِثُ قَدْ فَرَّجْتَ عّنِّي غَمِّي ... فَنَامَ لَيْلِي وَتَجلَّى هَمِّي

  وقال آخر:

  وَأَعْوَرَ مِنْ نَبْهَاَن أَمَّا نَهَارُهُ ... فأعْمَى وَأَمَّاَ لَيلُهُ فبصيرُ

  فأضاف إلى الوقت، والمراد النبهاني.

  ومتى قيل: هلا قال: ذهبت رؤوس أموالهم؟

  قلنا: لأنه لما ذكر أنهم اشتروا الضلالة بالهدى تضمن ذلك خسران رأس المال، فإذا قال: ما ربحوا، دل على المعنيين.

  «وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» قيل: تأكيد لما تقدم، ومعناه: ما اهتدوا، وإنما اهتدى إليه المؤمنون، وقيل: ما أصابوا في فعلهم.