قوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية 1 وجوه يومئذ خاشعة 2 عاملة ناصبة 3 تصلى نارا حامية 4 تسقى من عين آنية 5 ليس لهم طعام إلا من ضريع 6 لا يسمن ولا يغني من جوع 7 وجوه يومئذ ناعمة 8 لسعيها راضية 9 في جنة عالية 10 لا تسمع فيها لاغية 11}
  طعام يضرعون منه، ومن شدته وكراهته، أي: يتضرعون إلى الله من أكله، عن ابن كيسان. فعلى هذا الضريع بمعنى التضرع، وقيل: هو يشبه الشوك في النار أَمَرُّمن الصبر، وأنتن من الجيفة، وأشد حَرًّا من النار، سماه الله ضريعًا، رواه ابن عباس عن النبي ÷، وقيل: كريه، إذا استغاثوا أعطوا منه، يتضرعون إلى الله من أكله، عن الحسن. «لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ» أي: لا يدفع جوعًا ولا يسمن أحدًا.
  ثم وصف أهل الجنة، فقال: «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ» أي: يظهر عليهم أثر النعمة والسرور والإشراق «لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ» قيل: راضية بما عمل في الدنيا من الطاعات وبما أتي من الكرامة والثواب، وقيل: لثواب سعيها راضية، وقيل: إذا ظهر نفع أعمالهم وجزاء طاعاتهم رضوه وحمدوه، كما يقال: عند الصباح يحمد القوم السرى، هذا كمؤمن عمل لله، وعاصٍ تاب ورجع إلى الله «فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ» قيل: علو الجنة على وجهين: علو الشرف، وعلو المكان والمنزلة، عن أبي علي. وقيل: جنة مرتفعة القصور والدرجات «لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً» قيل: كلاما لا فائدة فيه، وقيل: كلامًا يؤذيهم، وقيل: كلامًا ذا لغو، كقولهم: نابل ودارع، قال الشاعر:
  وَغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّـ ... ـكَ لاَبِنٌ بَالصَّيْفِ تَامِرْ
  · الأحكام: يدل قوله: «الغاشية» على عظيم أحوال القيامة.
  ويدل قوله: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} أنهم لا ينتفعون بما كان منهم في الدنيا من الأعمال، فيحتمل الطاعات؛ لأنهم أحبطوها بالكفر، فيدل أن تحمل الكلفة إنما ينفع مع العمل والتقوى والإخلاص، فالمبتدع يجهد في الطاعات فلا يجزى، ويحتمل بعمل الدنيا،