التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة 1 رسول من الله يتلو صحفا مطهرة 2 فيها كتب قيمة 3 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة 4 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة 5 إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية 6 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية 7 جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه 8}

صفحة 7498 - الجزء 10

  والدين والملة واحد، وهو ما يدان به، والدين: الجزاء، والحساب، والعادة.

  والقيّمة: المستمرة على جهة الصواب، وهي «فيعلة» من قام بالأمر يقوم به: إذا أجراه في جهة الاستقامة.

  والرضا: معنى يضاد السخط، والرضا يرجع إلى الإرادة، إلا أنه قد يتعلق بالماضي والمستقبل، والإرادة تتعلق بالمستقبل.

  والعَدْنُ: الإقامة، يقال: عدن بالمكان: أقام به، وسميت الجنة عدنًا؛ لأنهم يقيمون فيها دائمًا.

  · الإعراب: {قَيِّمَةٌ} نعت لمحذوف، تقديره: دين الله القيمة، أو الشريعة القيمة؛ لذلك أنث، وقيل: تأنيثه على المعنى؛ لأن الدين والملة واحد، قال الشاعر:

  سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ: مَا هَذِهِ الصَّوتُ؟

  أي: الصيحة. وقيل: الهاء فيه للمبالغة.

  {حُنَفَاءَ} نصب على الحال.

  · المعنى: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» وهم اليهود والنصارى؛ لأن لهم كتابا يعتزون إليه وإن كان محرفًا، فاليهود يعتزون إلى التوراة، والنصارى إلى الإنجيل «وَالْمُشْرِكِينَ» وهم عبدة الأوثان، وقيل: مشركو العرب الَّذِينَ لا كتاب لهم يعتزون إليه «مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتيهُمُ الْبَيِّنَةُ» اختلفوا في معنى الآية، فقيل: لم يكونوا ليترَكوا