قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة 1 رسول من الله يتلو صحفا مطهرة 2 فيها كتب قيمة 3 وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة 4 وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة 5 إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية 6 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية 7 جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه 8}
  منفكين من حجج الله وبيناته حتى تأتيهم من قبل الله البينة التي تقوم بها الحجة عليهم، عن أبي علي. يعني لم يمهلهم قط بغير حجة، ولا تركهم مهملين، بل تتواتر عليهم الحجج، وقيل: لم يكن هَؤُلَاءِ الكفار تاركين لصفة النبي ÷، وأنه في كتابهم حتى بعث، فلما بعث تفرقوا عنه وكفروا وأنكروا، عن ابن كيسان، والفراء. وقيل: المراد من الفرقتين المعاندون الَّذِينَ عرفوا صدق الرسول وصحة ما جاء به، وكفروا وعاندوا، وطلبوا زيادة الأدلة إعناتًا، فقال تعالى: لا ينفكون من كفرهم أي: لا يزالونه حتى تأتيهم البينة برسل من ملائكة الله «يَتْلُوا» عليهم «صُحُفًا مُطَهَّرَةً. فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ» كما قال: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ}[النساء: ١٥٣] وكقوله: {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ}[الإسراء: ٩٣] فأخبر عنهم بالإقامة على الكفر عنادًا وحسدًا وبغيًا، وأنهم لو أوتوا ما التمسوا من الآيات ما غيروا أفعالهم، ولا تركوا كفرهم، ولو أرادوا الهدى لكان فيما سبق من الآيات كفاية، وتلخيص المعنى: أنهم لا يخرجون عن كفرهم حتى تأتيهم الملائكة بأيديهم الصحف، فأخبر عن إصرارهم، وأنه لا تنفعهم الآيات؛ لأنهم ما تفرقوا إلا بعد مجيء الأدلة، ولو جاءهم ما التمسوا الكفر، ولأن من لم ينظر في الدليل لم بؤثر الدليل في اعتقاده، عن أبي مسلم.
  وقيل: لم يكونوا منتهين عن كفرهم، ولا تاركين اعتقادهم في المسيح وعزير والأصنام «حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» يعني محمدًا ÷ يتلو عليهم القرآن، وأتاهم بالمعجزات، وبين لهم ضلالهم، ودعاهم إلى التوحيد والإيمان، وتلخيصه: ما كانوا يتركون كفرهم لولا مجيء محمد ÷، ودعاه إياهم.
  وقيل: لم يكونوا بأجمعهم كافرين بمحمد قبل مبعثه، فإن منهم من كان يقر به، فلما أتاهم أطبقوا على الكفر به، وكانوا يبشرون به قبل البعثة، فلما بعث وكان [من] ولد إسماعيل كفروا به.