التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لإيلاف قريش 1 إيلافهم رحلة الشتاء والصيف 2 فليعبدوا رب هذا البيت 3 الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف 4}

صفحة 7554 - الجزء 10

  يقولون: سكان حرم الله، وولاة بيت الله، فشق عليهم الرحلتان، فأخصب اليمن والشام، وحمل إليهم الطعام، وكفاهم مؤنة الرحلتين، فأمرهم بعبادة رب البيت، عن جماعة من المفسرين. وقيل: فعل ما ذكره في سورة (الفيل) لتأتلف قريش وتجتمع وتكثر، وتأتلف رحلة الشتاء والصيف في التجارات؛ لأن ذلك معاشهم، ولولا ذلك لتفرقوا عن مكة، ففعل ذلك ليقيموا بمكة، ويخرج منهم محمَّد رسول الله ÷، فأمنهم من الخوف من العرب، وأطعمهم مما رزقهم من الأموال، عن أبي علي. وقيل: اللام لام الأمر؛ أي: لتألفْ قريشٌ بمكة، وليعبدوا رب هذا البيت كإلفهم رحلتين، وقيل: لِتَبْقَ قريش وما ألفوه من الرحلتين، عن الزجاج. وقيل: ليألفوا البيت كإلفهم الرحلتين «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ» قيل: ما أعطاهم من الأموال، وسبب لهم من الأرزاق، وقيل: بما أوقع في قلوب الحاج وغيرهم حتى جلبوا إليها كل نعمة، عن أبي مسلم. وقيل: بالأسباب التي دعت إلى جلب النعم حتى توسعوا، وقيل: لما هلكت الحبشة قويت الدواعي إلى الحج، فقصدوا مكة بأنواع التجارات والنعم، وأزاح الله تعالى علتهم في معاشهم {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} قيل: أمنهم من خوف الغارة بالحرم الذي جُبِلَ قلوب العرب على تعظيمه، عن قتادة. وقيل: كانوا إذا قالوا في سفرهم: نحن أهل حرم الله، لا يتعرض لهم أحد، وقيل: أمنوا بكثرة العدد والقوة والأموال، عن أبي علي. وقيل: أمنهم من الجذام، فلا يصيبهم ذلك أبدًا، عن الضحاك، والربيع، وسفيان، وشريك. وقيل: أمنهم من الحبشة، وقيل: أمنهم من أن تكون الخلافة إلا فيهم، عن علي #. وقيل: أمنهم بدعوة إبراهيم، وقيل: أمنهم بالنبي ÷، والإسلام، ورزقهم.

  · الأحكام: السورة تتضمن أحكامًا:

  منها: نعم الله على أهل مكة بالنعم والخصب والأمن.

  ومنها: ما فعل من هلاك الحبشة ليأتلفوا بمكة، ويقيموا، ولا يتفرقوا عنها.

  ومنها: الأمن بالعبادة، وأنها إنما تلزم لأجل النعم؛ لذلك عَدَّ النعم.

  ومنها: أن الإطعام والأمن من حكم الله على عباده.