قوله تعالى: {لإيلاف قريش 1 إيلافهم رحلة الشتاء والصيف 2 فليعبدوا رب هذا البيت 3 الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف 4}
  وتجاراتهم سموا بذلك، وقيل: بل قريش دابة في البحر، تغلب سائر ما في البحر من الدواب، قال الشاعر:
  وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ ... بِهَا سُمِّيتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا
  {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} قيل: كانت لهم رحلتان: رحلة الصيف إلى الشام، ورحلة الشتاء إلى اليمن في التجارة، عن ابن زيد، والكلبي، وجماعة. وقيل: كانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف، فأمر الله أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت، عن ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وقيل: كان بالشام أرض باردة وأرض حارة، فكانوا يرحلون في الشتاء إلى الحارة، وفي الصيف إلى الباردة، عن أبي صالح. وقيل: إنه أنعم عليهم بالمقام بمكة، وأغناهم عن الخروج، وقيل: بل أمنهم في أسفارهم في الرحلتين.
  فأما الأول: فتقديره: لتألف قريش مكة كإلفهم التجارتين فلا يفارقوها؛ لأنه أغناهم عن الخروج بما لطف حتى قصد الناس البيت للحج، وكثرت تجاراتهم بسببه، وجلبوا إليها كل شيء حتى استغنوا عن الرحلتين، وأمنهم من العدو، عن أبي مسلم.
  وقيل: ليألفوا عبادة الله، كما ألفوا الرحلتين.
  وقيل: كان لهم هاتان الرحلتان في الجاهلية طلبًا للمعاش، فلما جاءهم الإسلام، ووجب الحج، واستغنوا عن ذلك، وجلبوا إلى مكة ما أغناهم عن الارتحال، فذكرهم تلك النعم.
  وأما الثاني: فمن عليهم بأن أمنهم في أسفارهم بما جعل في قلوب الناس من تعظيم أهل مكة، وقولهم: إنهم سكان الحرم، فلا يتعرض لهم أحد، عن أبي مسلم. {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيتِ} قيل: ليعبدوا رب [هذا] البيت قريشٌ من أجل ما أنعم عليهم من الاستغناء عن الرحلتين، عن أبي مسلم. وقيل: كان الحرم واديًا لا زرع فيها ولا ضرع، وكان لهم رحلتان بهما معاشهم، ولا يتعرض أحد لهم بسوء،