التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق 1 من شر ما خلق 2 ومن شر غاسق إذا وقب 3 ومن شر النفاثات في العقد 4 ومن شر حاسد إذا حسد 5}

صفحة 7603 - الجزء 10

  وثانيها: ما كانوا يزعمونه من خدمة الجن بأنهم يفعلون ما يريدون، ويعلمون الغيب، وهذا أيضًا كفر.

  وثالثها: ما كانوا يعتقدونه من التأثير بالأطعمة الضارة، والدخانات المفسدة، وقد يدخل في هذا ما جرت العادة به، وإن كان التأثير من فعل الله تعالى كالسموم ونحوها، فأمر الله تعالى بالتعوذ من شرهم.

  ورابعها: ما كانوا يفعلونه بالتضريب والنميمة ونحوها، فأمر الله تعالى بالتعوذ من شرهم، فعلى هذا حمل الآية أكثر المفسرين.

  وذكر أبو مسلم النفاثات في العقد هي النساء، والعقد عقد الرجال، وهي عزائمها وأمورها، يعني أن النساء بما يسكن قلوب الرجال من حبهن، فبطاعتهن يتصرفون على حسب رضاهن وكلامهن وحيلهن، ويحملنهم على أمور فاسدة، وبما يضر بالدين والدنيا، وينصرفون عن أمور صحيحة، وعزائم بأمرهن، فأمر الله بالتعوذ منهن، ونظيره قوله: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}⁣[التغابن: ١٤].

  «وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ» قيل: لأنه عند الحسد يبتغي الغوائل، ويتمنى زوال نعمته ونزول الضرر به، فأمر بالتعوذ منه.

  · الأحكام: تدل السورة على أشياء:

  منها: وجوب التعوذ بِاللَّهِ من كل شر.

  ومنها: أن الشر ليس من خلقه، وإلا كان يجب التعوذ منه، لا به.

  ومنها: أنه القادر على دفع كل ذي شر، فيجب الانقطاع إليه، والاستعاذة به.

  ومنها: أنه إذا وجب التعوذ من ضرر الدنيا فمن ضرر النار أولى، فمن هذا الوجه هو لطف.

  ومنها: قبح الحسد لما يتضمن من سبب العداوة، وضروب المكايد.