التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون 254}

صفحة 996 - الجزء 2

  · المعنى: ولما قص تعالى أخبار مَنْ مضى، وثبت رسالة نبينا ÷ حث على الطاعة فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا محمدًا ÷ فيما جاء به، «أَنفِقُوا» قيل: أراد به الفرض كالزكاة ونحوها لاقتران الوعيد به، عن الحسن، وقيل: أراد به الفرض والنفل وسائر أعمال البر، عن ابن جريج وأبي مسلم، وقيل: هي النفقة في الجهاد ومعونة الرسول، عن الأصم وأبي علي، كأنه لما بَيَّنَ رسالته أمر بالمجاهدة معه بالنفس والمال «مما رَزَقْناكُمْ» أعطيناكم «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ» يعني قدموا ليوم القيامة قبل إتيانه «لاَ بَيعٌ فِيهِ» أي لا تجارة «وَلاَ خُلَّةٌ» أي ولا صداقة؛ لأنهم بالمعاصي يصيرون أعداء، وقيل: شُغْلُهُ بنفسه يمنع عن صداقة غيره «وَلاَ شَفاعة» تشفع فينجيهم من العقاب «وَالْكَافرُونَ هُمُ الظالمونَ» قيل: هم مخصوصون، عن أبي علي، وقيل:

  معناه الكافرون بذلك هم الظالمون عن القاضي، وقيل: الكافر بالبخل ظالم للفقير، وقيل: هم الظالمون؛ لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، وظلموا أنفسهم، وقيل: هم الظالمون لأنفسهم بأن أوثقوها، وخلدوها في النار، وقيل: لما نفى البيع والخلة والشفاعة لهم بين أن ذلك ليس بظلم منه، بل هم الظالمون على أنفسهم بما عملوا.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب المسارعة إلى الإنفاق قبل الحيلولة.

  وتدل على أن الظالم لا خليل له ولا شفيع.

  وتدل على بطلان من يخالف في الشفاعة، ويقول: إنها لأهل الكبائر، بل نقول:

  إنها للمؤمنين لزيادة درجاتهم كقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وتدل على أن كل كافر ظالم، ولا تدل على أن كل ظالم كافر.