التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير 259}

صفحة 1015 - الجزء 2

  تين وعصير عنب، وهو راكب حمارًا، فأماته اللَّه وأمات حماره، وقيل: بقي حماره حيًّا، والأول الوجه، وبقي التين والعصير كما هو إلى أن بعث، فقال تعالى: «فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ» يعني التين «وَشَرَابِكَ» يعني العصير «لَمْ يَتَسَنَّهْ» أي لم تغيره السنون، وإنما قال «لَمْ يَتَسَنَّهْ» على الواحد قيل: يرجع إلى الشراب؛ لأنه أقرب المذكور إليه، وقيل: يرجع إلى حسن الطعام والشراب، أي انظر إلى ما تركته إنه لم يتسنه، وقيل: في قراءة ابن مسعود «انظر إلى طعامك وهذا شرابك لم يتسنه» «وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ» قيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: انظر إلى طعامك وشرابك ولنجعلك آية وانظر إلى حمارك، وقيل: بل تقديره: فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه، وانظر إلى حمارك، وانظر إلى العظام كيف ننشزها. «وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ» أي حجة للناس على البعث، «وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا» بالراء: كيف نحييها، وبالزاي كيف نرفعها من على الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسد ونركب بعضها إلى بعض «ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا» أي نلبسها لحمًا، قيل: أراد عظام الحمار وإحياءه، عن السدي وغيره، فعلى تقدير: فانظر إلى عظام حمارك قيل: أراد عظامه، عن الضحاك وقتادة والربيع وابن زيد «فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ» يعني ظهر وعلم، وقيل: رجع إلى أهله فرأى العلامات وأولاد أولاده وقد صاروا شيوخًا، وأنكر الناس وأنكروه، وعرفته عجوز كانت وقت خروجه ابنة ثلاث وعشرين، ثم أراهم المعجزات حتى أقروا به هذا على قول من يقول إنه عزير أو أرميا، وقيل: إنه رجع، وقد أحرق بخت نصر التوراة فأملى من ظهر قلبه، وقيل: «تَبَيَّنَ» عاين من إحياء الميت «قَالَ أَعْلَمُ» أوقن فدل أنه كان مؤمنًا، وعلى القراءة الأخرى اعْلَمْ، وفي معناه وجهان: أحدهما أَمْرُ اللَّه له، والثاني تذكير النفس بالواجب «أَنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» أي قادر على كل ما يصح أن يكون مقدورًا.