التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم 260}

صفحة 1019 - الجزء 2

  خليلاً، وأنه يجيب دعوته، ويحيي الموتى بدعائه، فسأل اللَّه أن يفعل ذلك ليطمئن قلبه أنه أجاب دعوته واتخذه خليلاً، عن ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي، وقيل: أحب أن يعلم ذلك علم عيان دون علم الاستدلال؛ لتزول الخواطر ووسواس الشيطان، في معنى قول الأصم وأبي علي وأبي مسلم، وقيل: سأل عن قومه، وإن أضاف السؤال إلى نفسه كما فعل موسى # في سؤال الرؤية، وغلط بعضهم غلطًا عظيمًا فقال: إن إبراهيم شك ووقف فيه، وهذه رواية باطلة؛ لأن الشك في مثل هذا كفر، ولا يجوز ذلك على الأنبياء «قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» قيل: إنه استفهام والمراد التقرير، يعني: أنك مؤمن بذلك كما قال الشاعر:

  ألسْتُمْ خَيْرَ مَن ركِب المطايا ... وَأَنْدَى العَالَمينَ بُطُونَ رَاحِ

  وتقدير الكلام: وأنت مؤمن بذلك، فما معنى السؤال «قَالَ بلَى» أنا مؤمن «وَلَكِنْ» سألت ذلك «لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» وقيل: إنه على طريق التعبد؛ ليظهر إقراره كقوله تعالى لعيسى: {ءأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} قال إبراهيم: بلى أنا مؤمن بذلك، ولكن سألت ليطمئن قلبي، قيل: ليزداد يقينًا إلى يقينه، عن الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع ومجاهد، وقيل: لأعاين ذلك فأعلم ضرورة، ولتزول الخواطر قال اللَّه تعالى: «فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيرِ» مختلفة الأجناس، وإنما خص الطائر من بين سائر الحيوانات لخاصية الطيران، وأربعة قيل: هي: ديك، وطاووس، وغراب، وحمام، عن مجاهد وعطاء وابن جريج وابن زيد، وقيل: طاووس ونسر وغراب وديك، عن ابن عباس، وقيل: بطة خضراء وغراب أسود وحمامة بيضاء. وديك أحمر، عن عطاء الخراساني «فَصُرْهُنَّ إِلَيكَ» بالضم قيل: قَطِّعْهُنْ، عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد، وقيل: اضممهن إليك، عن عطاء وابن زيد من صاره يصيره إذا أماله وقيل: أملهن إليك عن أبي مسلم وجماعة، فأما (صِرْهُنَّ) بالكسر قيل: معناه معنى المضموم في احتماله الوجهين، وأجمع أهل التفسير أن المراد بالآية قَطِّعْهُنَّ،