التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم 260}

صفحة 1020 - الجزء 2

  وأن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها ودماءها وخلط بعضها ببعض، غير أبي مسلم محمد بن بحر فإنه أنكر ذلك، وقال: معنى صرهن أي أملهن إليك، والصير: الإمالة والتمرين على الإجابة، يعني عَوِّدْهُنَّ أن تدعوها فتجيبك، «ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا» يعني واحدة من الأربعة «ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ» نبه بذلك على قدرته على الأشياء، ولو أراد التقطيع لقال: صرهن، ولم يقل إليك، وهذا فاسد، لإجماع أهل التفسير على خلافه؛ ولأن إبراهيم أراد أن يريه كيف يحيي الموتى؛ ولأن ما ذكره غير مختص بإبراهيم، فأما معنى «إليك» فمنهم من قال: أملهن إليك، ثم قطعهن، ومنهم من قال: تقديره: خذ أربعة من الطير إليك فصرهن، على التقديم والتأخير، «ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا» قيل: على أربعة جبال من كل طير جزءًا، عن ابن عباس وقتادة والربيع، وقيل: سبعة جبال، عن ابن جريج والسدي، وقيل: على كل جبل، عن مجاهد والضحاك، ويذهب إلى العموم بحسب الإمكان، كأنه قيل: فرِّقْةُ على كل جبل يمكنك التفرقة عليه.

  ويقال: ما معنى جعلهن على الجبال؟

  قلنا: مثل ضربه اللَّه تعالى له كما أنه دعا الطيور فأجابته كذلك أراد الله البعث ينادي فيجيبون من أرباع الأرض، وأقاليمها، وأطرافها «ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا» قيل: عَدْوًا، وقيل: مشيًا عنى أرجلهن؛ لأنه أبلغ في الحجة، وقيل: طيرانا، وليس يصح، لا يقال للطير: سعى إذا طار، وقيل: يأتينك وأن تسعى سعيًا، ففي الكلام حذف، وهو أنه قطع ودعا فأجبن وأتين، وروي أن كل جزء كان بصير إلى جملته، وكل دم وريش يصير إلى الأجزاء حتى صار طائرًا حيًّا يسعى «وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» أي قادر على كل شيء «حَكِيمٌ» عالم بإحياء الميت وإحكام صنعه، عن أبي علي، وقيل: عزيز تدل الأشياء له لا يمتنع عليه شيء «حَكِيمٌ» فعله حكمة وصواب، عن أبي مسلم والأصم.