التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين 264}

صفحة 1030 - الجزء 2

  يُؤْمِنُ بِاللَّهِ» أي بوحدانيته وصفاته «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» أي يوم القيامة يعني لا يؤمن بالبعث والجزاء، وسمي يوم الآخر؛ لأنه يتأخر عن الدنيا، وقيل: إنه صفة المنافق؛ لأن الكافر معلن غير مُرَاءٍ، وقيل: كل مراء كافر ومنافق «فَمَثَلُهُ» أي شبهه، وقيل: صفته «كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ» مطر عظيم القطر شديد الوقع «فَتَرَكَهُ صَلْدًا» حجرًا أملس، شبه اللَّه تعالى المنافق في فعله بحجز عليه تراب فالحجر المنافق، والتراب أعمال بره يفعله رياء، والوابل يزيل التراب، وكفره يزيل ثواب بره «لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا» يعني لا يقدرون على ثواب شيء مما كسبوا حيث أحبطوه بالرياء «وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» قيل: إلى طريق الجنة بإيجاب المثوبة، عن أبي علي، وقيل: لا يهديهم بقبول أعمالهم كما يقبل أعمال المهتدين من المؤمنين، وقيل: لا يثيبهم، عن أبي مسلم، وقيل: لا يجعلهم مهتدين راشدين، عن الأصم.

  · الأحكام: تدل الآية على الإحباط والتكفير؛ لأنه صريح في أن صدقة المؤمن تبطل بالمن والأذى، وما وقع لا يصح فيه الإبطال، فالمراد بطلان أجرها، وذلك صريح في الإحباط، ثم أكد ذلك بجواز أنه يتوهم أنه يبطلها بنقصان الإجزاء لا بإزالة أصله، فَمَثَّلَهُ بما أزال الشبهة، وهو المنافق الذي ينفق رياء وسمعة، ثم أكد الأمرين بما مثله به من زوال غَبَرَة بالمطر على الصفوان، ثم حقق ذلك بقوله: «لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيءٍ مِمَّا كَسَبُوا» والمراد زوال ما كسبوا، وكل ذلك يؤيد ما نقوله في الإحباط.

  وتدل على أن العبادة إنما تقبل إذا فعلت لله لا للرياء.

  وتدل على أنه لا يهدي الكافر، وقد ثبت أنه دلهم على الحق، فلا بد من حمله على أحد الوجوه التي ذكرنا.