التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون 272}

صفحة 1049 - الجزء 2

  «وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيرٍ» قيل: هو صدقة التطوع، وقيل: الكل داخل فيه، عن الأصم وأبي علي وأبي مسلم. فمن حمله على التصدق على أهل الذمة حمله على التطوع ومن حمله على أهل الإسلام حمله. على الكل «يُوَفَّ إِلَيكُمْ» أي يوفر عليكم جزاؤه يعني يؤدِّي إليه؛ لذلك أدخل إلى «وَأَنْتُم لاَ تُظْلَمُونَ» أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيء.

  · الأحكام: يدل قوله: «وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» أن الهدى يختص به القديم تعالى؛ لأنه إما أن يكون دلالة أو لطفًا أو نجاة أو إجبارًا فجميع ذلك مما يختص به سبحانه.

  فأما الرسول فهو يدعونا مرة ويبين ببيانه. فأما الاهتداء فهو فعل العبد لذلك قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}.

  وتدل على أن العبد مختار؛ لذلك صح أن يهتدي مرة، ولا يهتدي أخرى.

  وتدل على أن عاقبة الخير ونفعه يعود على فاعله، فيدل أن الثواب والعقاب جزاء على الأعمال.

  وتدل على أن الصدقة إنما تصح متى فعلت لمرضاة اللَّه تعالى.

  وتدل على أنه تعالى يوفي الجزاء، فتدل على أن الأعمال يستحق عليها الجزاء ولا بد من شرط وهو السلامة مما يحبطه.

  وتدل على بطلان مذهب الجبر من حيث نفى الظلم عن نفسه، وليس المراد به اللفظ بل المراد به المعنى، وهو منع المستحق ما استحقه، أو عقوبة من لا يستحقه، ولو كان الكفر خلقًا له فعاقبهم عليه أو عاقبهم من غير معصية كان ظلما، فيبطل قولهم في المخلوق وفي أطفال المشركين أن الثواب والعقاب ليس بجزاء.