التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم 276 إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 277}

صفحة 1061 - الجزء 2

  عليها، وقيل: يمحق الربا في الآخرة فلا ينتفع به أهله ويربي الصدقات بأن يعطي ثوابها ويضاعف لهم «وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ» أي لا يريد إعظامه وإكرامه وإثابته «كُلَّ كَفَّارٍ» جاحد بِاللَّهِ وبنعمه وبرسوله وما أنزله عليه من تحريم الربا «أَثِيم» فاعل الإثم عاص، ثم ذكر وعد المؤمنين عقيب الوعيد لأولئك فقال: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» قيل: صدقوا وأقروا بما جاءهم من الحلال والحرام، وقيل: فعلوا جميع خصال الإيمان «آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» أي الطاعات التي أمروا بها، وإنما عطف العمل على الإيمان وإن كان من الإيمان لوجهين: أحدهما: أن المراد آمنوا صدقوا. والثاني: ليعلم أن للعمل تأثيرًا في إيجاب الثواب، كما أن للإيمان والتصديق، ونظير ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ ولهذا عطف «وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ» على الأعمال الصالحة وإن كان ذلك منها تأكيدًا للأمر بها «لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ» وقيل: جزاء أعمالهم على ربهم يوفرها عليهم، وقيل: يعني معدة لهم عنده «وَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ» من عذاب الآخرة يومئذ. «وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» على فوت نعمة أو إحباط حسنة، ولا غير ذلك من أسباب الحزن.

  · الأحكام: تدل الآية على ما لهم في الصدقة من النفع العاجل، وهو الخلف والبركة والثواب الجزيل في الآخرة.

  وتدل على ما لهم في الربا من المحق في الدنيا بالإقلال، وفي الآخرة بالعذاب الدائم.

  وتدل على أن الأجر لا ينال بمجرد التصديق حتى ينضم إليه العمل، ومتى لم ينضم فلا أجر له، وذلك يبطل مذهب المرجئة، ويصحح قولنا في الوعيد.

  وتدل على عظم موقع الصلاة والزكاة في العبادات من حيث خصهما بالذكر تفخيمًا لشأنهما كقوله تعالى: {وَجِبرِيلَ وَمِيكَالَ}