قوله تعالى: {ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21}
  قلنا: خلقه إياي حيًّا لينفعني مع سلامة الحواس، والصورة الحسنة، والعقل المميز، والتكليف والهداية؛ لتتقوا بعبادته عذاب اللَّه تعالى.
  ومتي قيل: كيف احتج بالخلق، وهم لا يقرون به؟
  قلنا: لأن العقل يقتضيه، حيث لم يكونوا فَوُجِدُوا، فلا بد من فاعل؛ إذ الطبع باطل، والنجوم لا تؤثر، وقيل: هو خطاب لمشركي العرب، وكانوا مقرين بالخلق.
  «لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» قيل: يتصل بالخلق أي خلقكم للتقوى والعبادة، كقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦} وقيل: يتصل بالعبادة، قيل: اعبدوا للتقوى.
  ومتى قيل: لم ذكر الخلق عند الأمر بالعبادة؟
  قلنا: لأنه بمنزلة العلة في وجوب العبادة لما فيه من النعم، ولأنه لولاه لما صحت العبادة.
  (تتقُونَ) قيل: تصيرون أتقياء مؤمنين، وقيل: تتقون معاصيه وعذابه، عن أبي علي، وقيل: اعبدوا للتقوى، كأن العبادة لطف في اجتناب القبائح.
  · الأحكام: الآية تدل على وجوب العبادة لله تعالى.
  وتدل على أن العلة والسبب فيها ما لله عليه من الخلق بهذه الصفة التي معها تصح العبادة.
  وتدل على أنه لا خالق للأجسام سواه، من حيث نبه بقوله: «وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» ونبه على ما فينا من دلالة على الحدث والافتقار إلى فاعل.
  وتدل على أنه أراد التقوى من الجميع؛ لأن تقديره: خلقكم لتتقوا، فيبطل قول الْمُجْبِرَة في الإرادة.