قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب 7}
  والقول الثاني: أنها واو الاستئناف، وأن الكلام تم عند قوله: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه»، ثم ابتدأ: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ»، فـ «الراسخون» ابتداء، وخبره في «يَقُولُونَ»، عن عائشة والحسن ومالك والكسائي والفراء، وهو قول أبي علي، وعلى هذا المتشابه: وقت قيام الساعة و «الم»، و «المص»، و «حم»، وتعيين الصغيرة، وخروج الدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج ونحوه، وقيل: القرآن وصف بأنه محكم كله من وجه؛ لأنه معجز ودال على الحق، ومتشابه من وجه حيث يشبه بعضه بعضًا في أنه معجز، ولا تناقض فيه، وبعضه محكم، وبعضه متشابه من الوجوه التي بينا.
  واختلفوا في قوله: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» فقيل: مؤمنو أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام وغيره، وقيل: علماء الأمة الَّذِينَ هم المتيقنون، لا يدخلهم شك، وقيل:
  من وجد في علمه أربعة أشياء فهو راسخ: التقوى بينه وبين اللَّه، والتواضع بينه وبين الخلق، والزهد بينه وبين الدنيا، والمجاهدة بينه وبين نفسه. وقيل: سماهم راسخين لقولهم: «آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا» عن ابن عباس ومجاهد والسدي «كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»، يعني هو الذي قاله، وأنزل المحكم والمتشابه، وقيل: (عند) صلة أي كل من ربنا «وَمَا يَذَّكَّرُ» أي ما يتعظ بما في القرآن «إِلَّا أُوْلُوا الألبَابِ» ذوو العقول.
  · الأحكام: تدل [الآية]، على أن في القرآن محكمًا ومتشابهًا، وأقرب الأقاويل ما ذكرناه أولاً، وهو الذي اختاره القاضي أن المحكم ما يدل على المراد بنفسه، والمتشابه ما يشتبه المراد به.
  وتدل على أن المتشابه يرد إلى المحكم، ولطلب معناه منه.
  وتدل على أن المحكم والمتشابه إنما يدخل في الأصول كالتوحيد والعدل؛ لأن ما يدخل من ذلك في الاجتهاديات لا يذم على اتباعه، فلم يبق إلا ما ذكرناه.