قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب 7}
  لوجهين: قيل: للحكاية على تقدير جواب كأنه قيل: ما أم الكتاب؟ فقيل: هن أم الكتاب، كما يقال: من نظير زيد؟ فيقال: نحن نظيره. الثاني: على جعلنا ابن مريم وأمه آية؛ يعني كلهم آية، تقديره: كل الآيات أم الكتاب «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ» قيل: اليهود وطلبوا علم هذه الأمة واستخراجه بحساب الجمل «فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ» أي ميل عن الحق إلى الباطل، عن ابن عباس، وقيل: هم النصارى الَّذِينَ حاجوا في عيسى، عن الربيع، وقيل: هم المنافقون، عن ابن جريج، وقيل: كل من احتج بالمتشابه لباطله كالحرورية والسبائية، عن قتادة، وقيل: كل ضال ومبتدع «زَيْغٌ» أي ميل عن الحق إما بالجهل، وإما بالشك «فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ» يحتجون لباطلهم «ابْتِغَاءَ» طلب «الْفِتْنَةِ» قيل: الشرك، عن السدي والربيع وابن الزبير، وقيل: اللبس، عن مجاهد، وقيل: الضلال عن الحق، وقيل: فساد ذات البين في الدين، عن الأصم «وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ» أي طلب تأويله على خلاف الحق، وقيل: طلب علمه «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» الثابتون في العلم الضابطون له المتفننون فيه، واختلفوا في واو «الراسخون» على قولين:
  الأول: أنها واو العطف، يعني لا يعلم تأويله إلا اللَّه، فإنه يعلمه والراسخون. في العلم يعلمونه، ومع ذلك «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ»، يعني يعلمون ويقولون: آمنا، فأضمر «يَقُولونَ»، وقيل: تقديره: والراسخون في العلم يعلمونه قائلين: آمنا به، عن ابن عباس ومجاهد والربيع ومحمد بن جعفر وابن الزبير وأبي مسلم، وقوله: «يَقُولُونَ» يكون حالاً، ومحله نصب كقول الشاعر:
  الريح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في غمامه
  تبكي يعني: تلمع في غمامة شجوها، لولا ذلك لم يكن لذكره معنى.
  ويدل على صحة هذا أن الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع آي القرآن، وعن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين في العلم، وعن مجاهد نحوه، ولأن الغرض بالخطاب الإفهام.