التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب 8 ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد 9 إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار 10}

صفحة 1103 - الجزء 2

  والهبة والعطية والصلة نظائر، وهب يَهب هبة، وهي عقد تبرع صحته القبض، وإذا ألحق به العوض صار انتهاؤها معاوضة، وإن كان ابتداؤها تبرعًا.

  والميعاد والوعد واحد كالميقات والوقت.

  والوقود: الحطب، وبالضم إيقاد النار.

  · المعنى: لما حكى عن الراسخين في العلم إيمانهم بالمحكم والمتشابه، ورأوا أهل الزيغ استعاذوا بِاللَّهِ عن حالهم فقال تعالى حاكيًا عنهم: «رَبَّنَا» يعني يقولون: ربنا يعني سيدنا وخالقنا «لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا» قيل: بمنع اللطف الذي معه تستقيم القلوب، فإذا لم يفعل ذلك ومال القلب جاز أن ينسب إليه، وقيل: لا تنسبها إلى الزيغ كقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} يعني نسبها إلى الزيغ لما كانت عليه، وقيل: المراد بزيغ القلوب ما يضاد التطهير الذي يفعله تعالى بقلوب المؤمنين، ويكون ذلك بالطبع فيصح منهم توجيه المسألة إليه [و] هذا توسع، لأن علامة الشيء إنما يسمى باسمه توسعًا، قال القاضي: والأقرب الأول لأن قوله: «بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا» لا يليق إلا بمسألة اللطف، وقيل: لا تشدد علينا التكليف، ولا تتعبدنا بما يكون سببًا لخطئنا، فتزيغ قلوبنا بعد الهداية، وذلك نحو التكليف بالخروج من الديار، وقتل الأنفس، وبسط الدنيا على الكفار ونحوه، وأضافوا الزيغ إليه لوجهين: أحدهما: أنه المتولي للنعم التي يفتنون عندها. والثاني: أن ذلك يكون عند تكليفه، وقيل: احرسنا من الشياطين ومن شرور أنفسنا حتى لا تزيغ، عن أبي مسلم، وقيل: لا تزغ قلوبنا عن كمال العقل بالجنون، عن الأصم «بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا» قيل: وفقتنا بألطافك حتى اهتدينا، وقيل: دللتنا على الحق، وقيل: سببنا الى الهدى «وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ» أي أعطنا من عندك «رَحْمَةً» أي نعمة، قيل: تسديدًا وتوفيقًا في الهدى والإيمان، وقيل: نعم الدنيا، وقيل: نعم الدين والدنيا. «إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» المعطي، ثم حكى إيمانهم بالمعاد فقال تعالى: «رَبَّنَا إِنَّكَ جَاء النَّاسِ لِيَوْمٍ» قيل: لجزاء يوم، وقيل: اللام بمعنى