قوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار 13}
  · المعنى: لما وعد اللَّه تعالى المؤمنين الظفر والغلبة بين ما فعل يوم بدر، ققال تعالى: «قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَة» قيل: الخطاب للمشركين واليهود، وقيل: للناس جميعًا ممن حضر الوقعة، وقيل: لليهود الَّذِينَ نقضوا العهد «آيَةٌ» حجة وعلامة ومعجزة على صدق محمد ÷ «فِي فِئَتَينِ» في فرقتين «الْتَقَتَا» اجتمعتا ببدر: المسلمون والكافرون «فِئَةٌ» فرقة «تُقَاتل» تحارب «فِي سَبِيلِ اللَّه» في دينه وطاعته، وهم الرسول وأصحابه «وَأُخْرَى كَافِرَة» أي وفرقة أخرى كافرة، وهم المشركون من أهل مكة «يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ» أي ضعفهم، قيل: الرؤية للمسلمين دون الكافرين، عن ابن مسعود والحسن وجماعة، ثم اختلفوا، قيل: رأى المسلمون المشركين مثليهم في العدد، ثم ظهر القليل على العدد الكثير بإذن اللَّه، وتلك الآية أنه تعالى قللهم في أعينهم حين رأوهم مثلي عددهم تقوية لقلوبهم، عن ابن مسعود وجماعة، وقال الفراء: يحتمل ثلاثة أمثالهم كما تقول: لي ألف وأحتاج إلى مثليه، أي مضافًا إليه لا بمعنى بدلاً منه، فكذلك «يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ» مضافًا إليهم فذلك ثلاثة أمثالهم، وأنكر هذا الوجه الزجاج لمخالفته لظاهر الكلام وما جاء في الآية من تقليل الأعداد، وقيل: الرؤية للمشركين يعني يرى المشركون المسلمين مثليهم، فإنه تعالى قبل القتال قلل المسلمين في أعينهم ليجترئوا عليهم ولا ينصرفوا، فلما أخذوا في القتال كثرهم في أعينهم ليجتنبوا، وقلل المشركين في أعين المسلمين ليجترئوا عليهم، وتصديق ذلك قوله تعالى: {يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ} الآية، وقيل: أيدهم بالملائكة حين رآهم المشركون مثليهم «رَأْيَ الْعَينِ» أي في رؤية العين «وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ» أي يقوي بنصرته من يشاء من المؤمنين، ونصرته لهم من وجهين: بالحجة والغلبة «إِنَّ فِي ذَلِكَ» الذي ذكرت «لَعِبْرَةً» لحجة وآية، والآية من وجوه: أحدها: غلبة القليل للكثير، وثانيها: تأييدهم بالملائكة، وثالثها: تقليلهم في أعينهم، ورابعها: تقوية قلوبهم، وخامسها: ما وعدهم من إحدى الطائفتين فكان كما أخبر «لأُوْلِي الأَبْصَارِ» لأولي العقول، ومنه يقال له: بصر به إذا علم، وقيل: لمن أبصر الجمعين.