التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار 16 الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار 17}

صفحة 1115 - الجزء 2

  «أَؤُنَبّئُكُمْ» أي أخبركم «بِخَيرٍ مِنْ ذَلِكُمْ» أي أنفع لكم «لِلَّذِينَ اتَّقَوْا». قيل: اتقوا الشرك والكبائر، والتقوى اسم جامع لجميع ما أمر به ونهى عنه، كأنه قيل: اتقوا مخالفة أوامره ونواهيه، وقيل: اتقوا جميع ما حرم عليكم، عن الحسن «عِنْدَ رَبِّهِمْ» أي عليه ذلك لهم وأعده لهم «جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ» أي من تحت أشجارها وأبنيتها «خَالِدينَ فِيهَا» أي دائمين «وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ» وقيل: سليمة من الحيض والنفاس وسائر الأدناس والأحداث، بخلاف نسوان الدنيا «وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّه» أي رضي عنهم، وقيل: رضاه بأن يثيبهم ويواليهم، عن الأصم «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعباد» أي بأفعالهم وأحوالهم، فيجازيهم بحسب استحقاقهم.

  · الأحكام: تدل الآية على فضل ما يستحقه المتقي - وإن حرم متاع الدنيا - لما فيه من المزية بالخلود، وزوال الشوائب وعظيم الزينة.

  وتدل على دوام الثواب، خلاف ما قاله بعضهم، وتدل على اقتران التعظيم لأجل رضاه عنهم.

  وتدل على أن ثواب الآخرة خير من الدنيا؛ لأنه مشوب بالغموم، ومترقب للانقطاع، ويقترن به الخوف من سخطه، ومن شر العاقبة، بخلاف ثواب الآخرة.

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ١٦ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ١٧}

  · اللغة: الذنب والجرم من النظائر، وبينهما فرق من جهة الأصل، فأصل الذنب الإتباع، والذنب: ما يتبع عليه العبد من قبيح عمله، والجرم أصله القطع، فالجرم القبيح، ينقطع به من الواجب.