التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون 22}

صفحة 283 - الجزء 1

  العبادة وأنتم تعلمون أنه الخالق دون الأوثان، عن ابن عباس، وقيل: يعلمون أن ذلك في التوراة خاطب به اليهود، عن مجاهد، وقيل: وأنتم تعلمون مصالح دنياكم، فكيف تذهبون عن مصالح دينكم.

  ومتى قيل: لم كان الذنب مع العلم أعظم؟

  قلنا: لوجوه: منها: أن نعم اللَّه تعالى أعظم، ولأنه يقترن به التجزي والاستحقاق، ولأنه يقتدي به غيره فيصير كالشبَه.

  · الأحكام: الآية تدل على أشياء: منها: أن حظ السماء والأرض في النعمة والدلالة على الوحدانية، وفي كونها سببًا للزوم العبادة بمنزلة خلق أنفسنا، لأن أحدًا لا يقدر عليها، كما لا يقدر على الإحياء، فلذلك ذكر خلقها عقيب الأمر بالعبادة.

  وتدل الأرض وبسطها وخلقها وما فيها من الأثمار والأنهار والجبال على إثبات صانع، واختلف شيوخنا فمنهم من قال: سكونها يدل عليه؛ لأنه مما لا يقدر عليه غيره فهو كالحياة، ومنهم من قال: يجوز أن يكون ذلك فعل ملك عظيم الخلقة، كبير القدرة؛ لأنه في جنسه مقدور لعباده، وعلى هذا تدل على أن اللَّه تعالى بَسَطَهَا، وفي الأول بغير واسطة، والأول عن أبي علي، والثاني عن أبي هاشم.

  وتدل السماء ورفعها وسكونها، وما فيها من النجوم السائرة، والأفلاك الدائرة، وما يتصل بها من الليل والنهار على أن لها صانعًا مدبرًا. وتدل الثمرات وإنزال الماء وما تختص به الثمرات من اختلاف الطعوم والروائح والألوان والهيئات على صانع مخالف لنا.

  ويدل قوله: «رِزْقًا لَكُم» على أنه خلق جميع ذلك لعباده.

  وذكر أبو علي أن قوله: «فِرَاشًا» يدل على أن الأرض مسطحة غير كروية،