التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير 26 تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب 27}

صفحة 1134 - الجزء 2

  من الكافر، والكافر من المؤمن، عن الحسن، وقيل: السنبلة من الحبة والنخل من النواة، والنواة من النخلة والسنبلة من الحب، والأول الوجه؛ لأن حمل الكلام على حقيقته أولى من حمله على المجاز «وَتَرْزُقُ» أي تعطي الرزق «مَن تَشَاءُ» من عبادك «بِغَيرِ حِسَابٍ» فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: بغير نقصان، عن الحسن والربيع؛ وذلك لأنه لا نهاية لها في مقدوره كما يؤخذ منه ما ينقصه، ولا هو على حساب جزء شيء فهو بغير حساب من التجزئة.

  الثاني: بغير تقتير، يقال: فلان ينفق ماله بغير حساب؛ لأن من عادة المقتر ألَّا ينفق ماله إلا بحساب، عن الزجاج.

  والثالث: بغير حساب الاستحقاق لأنه تَفَضُّل؛ لأن النعم منه ما هو بحساب، ومنه ما هو بغير حساب، فأما العقاب فجميعه بحساب.

  · الأحكام: تدل الآية أنه لا ملك إلا واللَّه تعالى مالكه، وأن من جهته يملك ما يملك، وهذا يدل على قولنا: إن كل نعمة بالعبد من عنده، وتدل على أن الملك لا يحصل في الحقيقة بالغصب والغلبة ووجوه الظلم؛ لأن ما يحصل كذلك لا يكون من جهته تعالى، من حيث منع من هذا حاله من التصرف، وأمر الانتزاع منه ومحاربته.

  فمتى قيل: فالذي يعطيه تعالى ما هو؟

  فجوابنا ينقسم، فمنه ملك يمين في الدنيا، نحو ما يرزق من المباحات والأموال العظيمة بأسباب مشروعة، والعبيد والغلمان، ونحو ما يرزق من قوة النفس، وحسن الرأي إلى سائر ما يتقدم به الملوك في الدنيا، فجميع ذلك مضاف إليه تعالى، ويجوز أن يؤتيه المؤمن والكافر بحسب ما يرى من المصلحة، ومنه ما يرجع إلى أمور الدين كالنبوة والإمامة، وما يتفرع منها من الولايات، فإذا وضع في موضعه كان بأمره مضافًا إليه تعالى، وإلا فلا.

  وتدل على أن الإمامة ليست بمستحقة؛ لأن إطلاق الآية ينبئ عن تخيير.