التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير 28 قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير 29}

صفحة 1138 - الجزء 2

  الدين، ومعاونتهم على المسلمين، وقيل: نهاهم أن يلاطفوا الكفار، عن ابن عباس «مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» يعني يجب أن تكون الموالاة مع المؤمنين «وَمَنْ يفعَلْ ذَلِكَ» يعني موالاة الكفر «فَلَيْسَ مِنَ اللَّه فِي شَيْءٍ» يعني ليس من ولاية اللَّه في شيء؛ لأنه برئ اللَّه منهم، وقيل: ليس من دين اللَّه في شيء، ثم استثنى فقال: «إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً» إنما قال تقاة، ولم يقل اتقاء؛ لأن العرب إذا كان معنى الكلمتين واحدًا، واختلف ألفاظهما أخرجوا مصدر آخر اللفظين على مصدر اللفظ الآخر، يقولون: لتقيت فلانًا لقاء حسنًا، قال اللَّه تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} والمعنى إلا أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين، فيداريهم تقية وقلبه مطمئن بالإيمان دفعًا عن نفسه، وعن مجاهد: كانت التقية في ابتداء الإسلام، فأما الآن فقد أعز اللَّه الإسلام، فليس ينبغي للمؤمن أن يتقي «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» قيل: فيه محذوف تقديره: عذاب نفسه، وقيل: ويحذركم اللَّه إياه، وقيل: ويحذركم اللَّه نفسه أن تعصوه فتستحقوا عقابه، عن أبي مسلم. «وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» المرجع، قيل: إلى جزائه، وقيل: إلى حكمه «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ «إِنْ تُخْفُوا» تستروا «مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ» تظهروه، وإنما ذكر الصدر لأنه محل القلب، والمراد تبدوا موالاة اليهود، وقيل: هو عام، وقيل: تخفوا أو تبدوا، يعني تخفوا من تكذيب الرسول أو تبدوه بمحاربته، وقيل: أراد تخفوا من الكفر أو تبدوه «يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» يعني إذا كان لا يخفى عليه شيء من ذلك، فكيف تخفى أفعالكم؟ «وَاللَّه عَلَى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ» فيقدر على أخذكم ومجازاتكم، حذرهم غاية التحذير من حيث علم أفعالهم، وقَدَرَ على مجازاتهم.

  · الأحكام: تدل الآية على النهي من موالاة الكفار، وهو تولي النصرة فيما يعود إلي باب الدين.

  وتدل على أن المُكْرَه على ذلك في سعة، وأنه مستثنى من الوعيد، وما قاله مجاهد غير صحيح؛ لأنه مطلق عام.

  وتدل على أنه يجوز إظهار تعظيم الظلمة اتقاء لشرهم، وجميع ذلك إنما يحسن بالمعاريض التي ليست بكذب، ويقصد به وجهًا صحيحًا.