قوله تعالى: {إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم 35 فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم 36}
  لغتهم العابدة والخادمة، وكانت أفضل النساء وأجملها في وقتها «وَإنّي أُعِيذُهَا بِكَ» أمنعها وأجيرها بك يا رب «وَذُرّيَّتَهَا» أولادها ونسلها «مِنَ الشيطَانِ» قيل: أعيذها بك من ظفر الشيطان للطفل الذي له يستهل صارخًا، فوقاها اللَّه وولدها عيسى منه بحجاب، فيما يرويه أبو هريرة مرفوعًا، وقيل: من إغواء الشيطان إياها فاستعاذت من ذلك، عن الحسن «الرَّجِيم» قيل: المرجوم بالشهب، أي المرمي، وقيل: الطريد المبعد من الخير.
  · الأحكام: تدل الآية على أن النذر يؤثر في الإيجاب، وأنه كان مشروعًا في شريعتهم كما هو في شريعتنا.
  وتدل على أنه يدخل في المستقبل.
  وتدل على أن للوالدة على الولد حق التصريف فيما يعود إلى نفعها، لولا ذلك لم تكن مانعة نفسها بالنذر عن تولي ذلك، فكأنها حرمت على نفسها الانتفاع بولدها وخلصته لله تعالى.
  وتدل على أن النذر لا يكون إلا لله تعالى، وأنه يكون في باب الطاعات، والأفعال ثلاثة: طاعة، ومعصية، ومباح، فالنذر يدخل في الطاعات دون المعاصي والمباحات، وبهذا ورد الشرع فقال، ÷: «لا نذر لابن آدم في معصية اللَّه».
  وتدل على أن النذر يكون بالقول؛ فلذلك قالت: إنك سميع، يعني لنذري.
  وتدل على أنه لا يتم إلا بنية؛ لذلك قال: «الْعَلِيمُ».
  وتدل على أن الحمل لا يعرفه إلا اللَّه تعالى لذلك قالت: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتُ».
  وتدل على أن الاستعاذة بِاللَّهِ من الشيطان واجب، وتدل أن وسوسة الشيطان فعله، ولو كان خلقًا لله تعالى لما كان للاستعاذة به معنى.