قوله تعالى: {إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم 35 فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم 36}
  بيت من اللَّه بمكان، فبينما هي تحت شجرة إذ رأت طائرًا يزق فرخًا، فتحركت نفسها للولد، فدعت اللَّه أن يرزقها ولدا، فحملت بمريم، فقالت: «رَبّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا»، تعني من هذا الولد «مُحَرَّرًا» قيل: مخلصًا للعبادة، عن الشعبي، وقيل: خادمًا للبيعة، عن مجاهد، وقيل: عتيقًا من أمر الدنيا لطاعة اللَّه، عن محمد بن جعفر بن الزبير، وقيل: خادمًا لمن يدرس الكتاب، ويُعَلِّم في الكنائس، والكل يرجع إما إلى التحرير الذي هو العتق كأنه أعتق نفسه عن رق المعاصي والعقاب، أو التحرير الذي هو إصلاح الكتاب من الفساد، وسمي محررًا كأنه أخلصه مما لا يجوز في الشرع، وقيل: لم يكن لبني إسرائيل غنيمة، فكان تحريرهم جعلهم أولادهم على الصفة التي ذكرنا، عن الأصم، وقيل: كان المحرر يجعل في الكنيسة يقوم بخدمتها حتى يبلغ الحلم، ثم يخير، فإن أراد أن يذهب ذهب، وإن اختار المقام فليس له بعد ذلك خيار، ولا بد أن يقيم، ولم يكن نبي إلا ومن نسله محرر لبيت المقدس، ولم يكن محررًا إلا الغلمان، وكانت الجارية لا تكلف ذلك لما يصيبها من الحيض والأذى، فحررت أم مريم ما في بطنها، «فَتَقَبَّلْ مِنِّي» أي نذري قبول رِضًا «إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ» لقولي «الْعَلِيمُ» بنيتي وضميري «فَلَمَّا وَضَعَتْهَا» قيل: إن عمران هلك وهي حامل، فوضعت بعد ذلك، يعني ولدت مريم، وكانت ترجو أن تكون غلامًا، فلما ولدت بنتًا «قَالتْ رَبّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى» قيل: المراد به الاعتذار من العدول عن النذر؛ لأنها أنثى، وقيل: تقديم الذكر في السؤال لها بأنها أنثى؛ لأن سعيها أضعف وعقلها أنقص، فقدم ذكرها ليصح القصد لها بالسؤال بقولها: «وِإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ» «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ» إخبار منه تعالى أنه أعلم بوضعها؛ لأنه هو الذي خلقها وحررها على القراءة الأخرى، وأنت يا رب أعلم مني بما وَضَعْتُ «وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى» لأنها لا تصلح لما يصلح الذكر له من خدمة بيت المقدس لما يلحقها من الحيض والنفاس، ولما عليها من الصيانة عن التبرج للناس، وقيل: لم يكن التحرير إلا للغلمان فيما جرت به العادة، عن قتادة، وقيل: هو عام يعني الذكر أفضل من الأنثى، وأصلح للأشياء، «وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا» أي جعلت اسمها «مَرْيَمَ» قيل: هي في