التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون 55 فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين 56 وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين 57 ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم 58}

صفحة 1185 - الجزء 2

  لا يكون لليهود مملكة إلى يوم القيامة كما للروم، وقيل: هم الحواريون «فَوْقَ الَّذِينَ كفَرُوا» والأول الوجه؛ لأن فيه ترغيبًا في الإسلام، ولأن من دعاه إلهًا لا يكون تبعًا له «فَوْقَ الَّذِينَ كفَرُوا» قيل: بالحجة والبرهان، وقيل: بالغلبة والقهر إلى يوم القيامة، وقيل: في الدنيا، وقيل: في يوم القيامة أيضًا، عن الأصم «ثُمَّ إِلَيَّ» يعني إلى حكمي وجزائي «مَرْجِعُكُمْ» مصيركم «فَأَحْكُمُ بَينَكُمْ» أَفْصِلُ بينكم «فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» من الدين ومِنْ أَمْرِ عيسى «فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا» قيل: بالقتل والسبي والذلة على يدي محمد ÷ وأمته، وقيل: بالخسف والمسخ، وقيل: في القبر «وَالآخِرَةِ» في النار «وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ» من معين ينجيهم من عذاب اللَّه في الدنيا والآخرة.

  ومتى قيل: لم عدل من المعاينة إلى المخاطبة في قوله: «وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ» ثم قال: {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ

  فجوابنا: لتغليب الحاضر على الغائب لما دخل معه في المعنى.

  «وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ» نوفر عليهم ونتمم «أُجُورَهُمْ» جزاء أعمالهم «وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» لا يريد تعظيمهم وإثابتهم، و «ذَلِكَ» إشارة إلى النبأ تقديره: ذلك النبأ عن عيسى وغيره، وقيل: ذلك القرآن، وقيل: هو اللوح المحفوظ، وقيل: ذلك الذكر الذي سبق «نَتلُوهُ عَلَيكَ» نكلمك به ونقرؤه عليك، وقيل: أمرنا جبريل أن يتلوه عليك، عن أبي علي «مِنَ الآيَاتِ» من الحجج «وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ» المحكم؛ لأنه الدلالة على الحق كالناطق به فسمي حكيمًا، قيل: معلم وهاد بما فيه من الدلالات.

  · الأحكام: تدل الآية على أن أمة محمد ÷ يكونون ظاهرين إلى يوم القيامة؛ لأنهم الَّذِينَ اتبعوا عيسى وصدقوه دون اليهود والنصارى.

  وتدل على أن عيسى حي في السماء على ما روي.

  وتدل على إثبات المعاد.

  وتدل على أنه يجازي بالأعمال، خلاف ما تقوله الْمُجْبِرَة أنه لا اعتبار بالأعمال.