التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون 59 الحق من ربك فلا تكن من الممترين 60 فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين 61}

صفحة 1188 - الجزء 2

  رأيت ولدًا من غير ذكر؟ فنزلت الآية، عن ابن عباس وقتادة والحسن، فلما دعاهم رسول اللَّه، ÷ إلى المباهلة أخذ النبي ÷ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة $ ثم دعا النصارى إلى المباهلة فأحجموا عنها، وأقروا بالذلة، وقبلوا الجزية، واتفق أهل العلم والنقل أنهم لم يباهلوه، وروي أنهم استشاروا العاقب، وكان ذا رأيهم، فقال: إنه نبي مرسل، وما لاعن قوم نبيًّا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أبيتم إلا إِلْفَ دينكم فوادعوه وانصرفوا، وروي أن أسقف نجران قال لهم: إني لأرى وجوهًا لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلاً عن مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، وقال بعضهم: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم نارًا، ولا يبقى نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة، وسألوا الصلح فصالحهم، وقال ÷: «والذي نفسي بيده لو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم الوادي عليهم نارًا، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا».

  · المعنى: ثم رَدَّ على النصارى قولهم في عيسى، واحتج عليهم فقال تعالى: «إِنَّ مثلَ عِيسَى» شبهه في أن خلقه من غير أب «عِنْدَ اللَّهِ كمَثلِ آدَمَ» إذ خلقه من غير أب ولا أم، ثم بين كيف خلقه فقال تعالى: «خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَال» قيل: الكلام تم عند قوله: «خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب»، والمراد بقوله: «قَالَ لَهُ» أي لعيسى، وتقديره: خلق آدم من تراب، ثم بعد ذلك قال لعيسى: «كُنْ فَيَكُونُ»، وقيل: المراد به آدم يعني خلقه من تراب، ثم قال له: كن حيًّا سميعا بصيرًا بشرًا سويًّا فكان، وتمام الكلام على هذا عند قوله: «فَيَكونُ»، وقيل: خلقه من تراب، ثم أخبركم بأنه قال له: كن فيكون، وإنما احتيج إلى هذه التقديرات؛ لأن (ثُمَّ) للتعقيب والتراخي، ومعنى «كُنْ فَيَكُونُ» قيل: إنه خلقه من غير تعب وأداة ومعالجة كما يشاء لا أن هناك قولا عن أكثر أهل