التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون 64 ياأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون 65 هاأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون 66}

صفحة 1195 - الجزء 2

  أبي علي، وهو الأوجه، والبيت المروي يدل عليه «تَعَالَوا» هلموا «إِلَى كلمَةٍ سَوَاءٍ» أي كلام عدل، وسواء قولك سواء ومستوية «بَينَنَا وَبَينَكُمْ» وهو «أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ»؛ لأن العبادة لا تحق إلا له «وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ» في العبادة «شَيئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ» إلهًا كما تفعله اليهود والنصارى، ثم اختلفوا، فقيل: اتخاذهم الأحبار والرهبان إلهًا أن يطيعوهم في التحريم والتحليل، وقيل: هو اتخاذ النصارى عيسى إلهًا واتخاذ اليهود عزيرا إلهًا، وقيل: هو سجود بعضهم لبعض، عن عكرمة، وقيل: هو ادعاؤهم لأحبارهم ما لا يقدر عليه إلا اللَّه، كإحياء الميت وإبراء الأكمه والأبرص وإن لم يطلقوا أنه رب، عن أبي مسلم، وقيل: هو أن نطيعه في المعاصي، وتقديره: لا نطيع في المعاصي أحدًا، وفي الخبر: «من أطاع مخلوقًا في معصية اللَّه فكأنما سجد سجدة لغير اللَّه» «فَإِنْ تَوَلَّوْا» أعرضوا عما دعوتهم إليه «فَقُولُوا» أنتم أيها المسلمون مقابلاً لإعراضهم عن الحق، وتجديدًا للإقرار ومخالفة لهم: «اشْهَدُوا بِأنَّا مُسْلِمُونَ» قيل: مخلصون بالتوحيد، وقيل: منقادون لما أمرت، وقيل: معتقدون الإسلام عاملون به، وروي أن النبي ÷ كتب بهذه الآية إلى هرقل ملك الروم. «يَا أَهْلَ الْكتَاب لِمَ تُحَاجُّونَ» تخاصمون «فِي إِبْرَاهِيمَ» فتزعمون أنه كان يهوديًّا أو نصرانيًّا «وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بعدِهِ» حتى حدثت اليهودية والنصرانية بعد إبراهيم بزمان، وأنزلت التوراة والإنجيل بعده بزمان، ووجه الاحتجاج: أنه أنزل الكتاب من بعده، وليس فيها أن إبراهيم كان يهوديًّا أوْ نصرانيًّا بخلاف ما نقول فإن القرآن نزل بعده، ولكن فيه أن إبراهيم كان مسلمًا، وقيل: في الكتابين أنه كان حنيفًا مسلمًا كما في القرآن، وقيل: اليهودية ظهرت بعده، وهو اسم ذم، وإبراهيم لم يكن مذمومًا «أَفَلَا تَعْقِلُونَ» أي أفلا تعلمون دحوض حجتكم، وقيل: أفلا تعلمون أن الدعوى من غير حجة لا تقبل «هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ» يعني هَؤُلَاءِ «حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلم فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» فلم تخاصمون فيما ليس لكم به علم. قيل: ما لهم به علم: ما وجدوه في كتبهم؛ لأنهم يعلمون أنهم وجدوه فيها، وما ليس لهم به علم: حديث إبراهيم فليس في كتابهم أنه كان يهوديًّا أو نصرانيًّا «وَاللَّهُ يَعْلَمُ» شأن إبراهيم وسائر ما