التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين 67 إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين 68}

صفحة 1198 - الجزء 2

  · المعنى: لما تقدم ادعاء اليهود والنصارى في إبراهيم نزهه اللَّه تعالى عن قولهم، وبَيَّنَ ما كان عليه، فقال سبحانه: «مَا كَان إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نصْرَانِيا»؛ لأن اليهودية والنصرانية اسما ذم، ولم يتعبد اللَّه بهما؛ لأنهما محرفان مغيران، وهما فرقتا ضلال، ولم يتعبد اللَّه بهما قط، وإنما تعبد بشريعة موسى وعيسى @ «وَلَكِنْ كَان حَنِيفًا» مستقيمًا في دينه، وقيل: مائلاً إلى الحق «مُسْلِمًا» منقادًا إلى اللَّه تعالى، وقيل: كان على دين الإسلام «وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشرِكِينَ» كما يدعيه مشركو العرب.

  فإن قيل: كان إبراهيم على جميع ما نحن عليه أو على بعضه؟ وكيف يصح أن يقال: إن ملة إبراهيم ما نحن عليه؟

  قلنا: إنما سُمِيَّ المسلمون أنهم على ملة إبراهيم لقرب ملتهم من ملته وإن زيد في ملتنا ونقص، وذلك جائز، كما أن أهل مكة والمدينة كانتا على ملة واحدة، وإن زيد بالمدينة في الشرع ونقص لما اتفقا في الأكثر والمعظم، وأصول الشريعة، يدل عليه أنا نعلم ضرورة أشياء لم تكن في شريعته كما أن قراءة القرآن في الصلاة مشروعة.

  لنا، ولم ينزل عليه القرآن، وقيل: المراد بالملة هو أصل التوحيد والعدل الذي لا يختلف بالشرائع.

  فإنْ قيل: إذا لم يكن إبراهيم يهوديًّا لأن التوراة أنزلت بعده فمثله يلزم في القرآن؟

  قلنا: فيه أجوبة:

  منها: ما بينا من قبل أنه أنزلت التوراة بعده، وليس فيه أنه كان يهوديًّا.

  ومنها: أن في الكتابين أنه كان حنيفًا مسلمًا.

  ومنها: أن تلك الشرائع لم تتفق [مع] شريعة إبراهيم في الأكثر والأعظم.

  ومنها: أن اليهودية والنصرانية محرفة؛ فلذلك لم تكن ملة إبراهيم، بخلاف ملة الإسلام.