قوله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون 72 ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 73 يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم 74}
  والثاني: أن يكون قوله: «وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ» كلام اليهود، ثم بعد ذلك كلام اللَّه تعالى خطابًا لليهود وردًا عليهم، ثم على هذا التقدير اختلفوا فقيل: الخطاب من اللَّه تعالى لليهود وتقديره: قالت اليهود: ولا تؤمنوا لمن تبع دينكم، «قُلْ» يا محمد «إِنَّ الْهُدَى» إلى الخير «هُدَى اللَّه» فلا تجحدوا أيها اليهود «أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ» أي سواكم من النبوة مثل ما أوتي أنبياؤكم، وأن يحاجوكم به عند ربكم إن لم تقبلوا ذلك منهم، في معنى قول قتادة والربيع وأبي علي، وقيل: قوله: «وَلاَ تُؤْمِنُوا» حكاية كلام اليهود وما بعده على نسق واحد كلام اللَّه تعالى، ولكنه خطاب للمؤمنين تقديره: وقالت اليهود بعضهم لبعض: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، قل يا محمد إن الهدى هدى اللَّه أن لا يؤتى أحد، فأضمر «لا» معناه: لا يؤتى أيها المسلمون مثل ما أوتيتم «أَوْ يُحَاجُّوكُمْ» أي ولا يحاجوكم «عِندَ رَبِّكُمْ» لأنه لا حجة لهم، عن السدي وابن جريج، وقيل: على هذا التقدير في «أَوْ يُحَاجُّوكُمْ» معنى إلى أن يحاجوكم يعني إلى أن يجادلكم اليهود بالباطل؛ لأنه لا حجة لهم، ولكن يجادلونكم بالباطل، وقيل: على هذا التقدير: إن الهدى الذي أوتيتم، يعني الحجج أيها المؤمنون، لا يؤتى أحدٌ ممن خالفكم؛ لأنه لا يظهركم على سرائرهم أن يؤتى أحد مثل حجتكم، فلا يحاجونكم بمثلها، حكاه الأصم، وقيل: على هذا التقدير إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا تقديره: قالت اليهود: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، قال اللَّه تعالى: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين، حسدوكم، فقل: إن الفضل بيد اللَّه، وإن يحاجوكم فقل: إن الهدى هدى اللَّه.
  والثالث: أن يكون الكلام من أول الآية إلى آخرها كلام اللَّه وتقديره: ولا تؤمنوا أيها المؤمنون إلا لمن تبع دينكم، وهو دين الإسلام، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل فلا نبي بعد نبيكم، ولا شريعة بعد شريعتكم، ولا تصدقوا أن يحاجكم في دينكم أحد بأن دينه خير من دينكم، قل يا محمد: إن الهدى هدى اللَّه، قيل: ما أوتيت هدى اللَّه ودينه، فلا يضر كيدكم فإنه تعالى سيظهره، عن الأصم، وقيل: الهدى إلى الخير، والدلالة على الصواب، عن أبي علي، وقيل: المراد بالهدى ههنا النعمة، والمراد ما خص به محمدًا ÷ من النبوة، عن أبي مسلم،