قوله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون 75 بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين 76}
  وأوفيت العهد ووفيت به واحد في المعنى، «فأوفيت» لغة أهل الحجاز، و «وفيت» لغة نجد، ويصرفه كل فريق منهم على أصله.
  · الإعراب: الهاء في قوله: «بعهده» قيل: يعود على اسم اللَّه تعالى في قوله: «وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِبَ»، وقيل: يعود على (من) في «بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ» وذلك؛ لأن العهد مضاف الفاعل والمفعول، نحو قولهم: هذا عهد فلان الذي عهدته، وهذا عهد فلان الذي عهده لي غيره.
  وفي معنى (بلى) وجهان:
  أحدهما: الإضراب عن الأول على جهة الإنكار، فعلى هذا الوجه من النفي تكون مكتفية، نحو قولك: ما قدم زيد. [فيقال]: بلى قَدِمَ، قال الزجاج: بلى ههنا وقف يأمره لما قالوا: «لَيسَ عَلَينَا فِي الأمُّيّينَ سَبِيلٌ» قيل: بلى عليهم سبيل.
  وثانيها: الإضراب عن الأول في الاعتماد على بيان الثاني، وعلى هذا لا تكون مكتفية تقديره: بلى كذا وكذا.
  ويُقال: ما الفرق بين (بلى) و (نعم)؟
  قلنا: «بلى» جواب النفي كقوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} جوابه «بلى»، فأما أزيد في الدار؟ فجوابه «نعم أو لا».
  ويقال: لِم جاز إمالة (بلى) دون (حتى)؟
  قلنا: لأن (بلى) تشبه الاسم من وجهين:
  أحدهما: أنه يوقف عليها في الجواب بما يوقف على الاسم، تقول: من رأيت من النساء؟ فتقول: الحبلى، كما تقول: أليس زيد في الدار؟ فتقول: بلى.
  والآخر: أنها على ثلاثة أحرف التي هي الأصل في الأسماء.
  · النزول: قيل: نزلت الآية في اليهود، وأن فيهم خونة تحذيرًا للمؤمنين بأن يأمنوهم.