التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين 86 أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 87 خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون 88 إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم 89}

صفحة 1235 - الجزء 2

  · النزول: قيل: نزلت الآيات في أهل الكتاب، آمنوا بمحمد قبل بعثه، ثم كفروا به بعد البعثة حسدًا وبغيًا، عن الحسن وأبي علي وأبي مسلم.

  وقيل: نزلت في رجل من الأنصار يقال له: الحارث بن سويد، ارتد ولحق بمكة، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول اللَّه، هل لي من توبة؟ فسألوا، فنزلت الآية «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا» فحملها إليه رجل من قومه فقال: إني لأعلم أنك تصدق، وإن رسول اللَّه لأصدق منك، وإن اللَّه تعالى لأصدق الثلاثة، ورجع إلى المدينة وأسلم، وحسن إسلامه، عن مجاهد والسدي.

  وقيل: نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه، ولحق بأرض الروم، فتنصَّر، عن مجاهد.

  وقيل: نزلت في قوم أرادوا أمر النبي ÷ أن يحكم لهم بحكم الإسلام، وفي قلوبهم الكفر، فأطلع اللَّه نبيه على أسرارهم وما في ضمائرهم من الكفر.

  · المعنى: لما بَيَّنَ تعالى أن الإسلام هو الدين الذي به النجاة بين حال من خالفه وتركه فقال سبحانه: «كيْفَ» استفهام ومعناه الجحد، أي لا يهدي، قال تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ} أي لا يكون، قال الشاعر:

  كَيْفَ نَوْمي عَلَى الفِرَاشِ وَلَمَّا ... يَشْمَلِ الشَّامَ غارةٌ شعواءُ

  وفي معنى «يهدي» وجوه:

  أولها: سلوك طريق أهل الحق والمهتدين بهم في المدح لهم والثناء عليهم، تقديره: كيف يمدح بنسبتهم إلى الهدى ويحكم برشدهم.