قوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين 86 أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 87 خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون 88 إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم 89}
  وثانيها في اللطف الذي يصلح به من حسنت نيته، وكان الحق معتمده، تقديره: كيف يزيدهم الهدى وحالهم هذا.
  وثالثها: في إيجاب الثواب الذي يستحقه من حصلت طاعته ولم يحبطها شيء من عمله، تقديره: كيف يهديهم اللَّه إلى الجنة والثواب، عن أبي علي، قال أبو مسلم: كيف يثيب قومًا كفروا بعد إسلامهم، «وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ» وهي الحجج. وقيل: في تقدير الآية قولان:
  أحدهما: كيف يهدي اللَّه قومًا كفروا بعد إيمانهم، وبعد أن شهدوا أن الرسول حق، وبعد أن جاءهم البينات على الحذف، عن أبي مسلم.
  وثانيها: كيف يهدي اللَّه قومًا شهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات ثم كفروا بعد إيمانهم على التقديم والتأخير. والبينات قيل: ما في كتبهم من البشارة بمحمد ÷، وقيل: هو القرآن، وقيل: سائر الحجج «وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» قيل: لا يثيبهم ولا يهديهم إلى طريق الجنة، وقيل: لا يحكم بهدايتهم، وقيل: لا يكونون مهتدين بظلمهم، عن الأصم.
  ويقال: لم كرر نفي الهداية عنهم؟
  قلنا: قيل: تأكيدًا وإياسًا لهم، وقيل: الأول في المرتدين والثاني عام في سائر الكفار «أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ» يعني إنما لا يثيبهم ولا يهديهم؛ لأن جزاءهم المستحق هو اللعن، و «أولئك» المراد به الظالمون أو الَّذِينَ كفروا بعد إيمانهم «جَزَاؤُهُمْ» على أعمالهم «أَنَّ عَلَيهِم لَعْنَةَ اللَّهِ» وإنما ذكر اللَّه تعالى وعيد الكفار في آي من القرآن ليكون مقرونًا بذكرهم في جميع المواضع، ولكن يلعنهم كما ذكر كما يصلى على النبي ÷ متى ما ذكر، ويترحم على المؤمنين كلما ذكروا، ولعن اللَّه إبعاده إياه من الخير والثواب «وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
  ويقال: لم عم جميع الناس، ومن يوافقه لا يلعنه؟
  قلنا: فيه وجوه:
  الأول: أنه له أن يلعنه وإن كان لا يلعنه لجهله، عن أبي مسلم.