التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين 86 أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين 87 خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون 88 إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم 89}

صفحة 1237 - الجزء 2

  والثاني: أنه في الآخرة يلعن بعضهم بعضا فقد لعنه الجميع.

  الثالث: أن الناس على الخصوص والمراد به المؤمنون، عن الأصم وأبي علي والقاضي كأنه لا يعتد بغيرهم، ولما ذكر لعن الثلاثة قيل: أجمعين.

  الرابع: وهو الأصح أن لا مكلف إلا وهو يلعن المبطل، فكأنه يلعن نفسه، وهو لا يعلم «خَالِدينَ» دائمين فيها، قيل: في اللعنة لاستحقاقهم ذلك مع أليم العقاب، عن أبي علي، وقيل: في العقوبة الدائمة؛ لأن اللعن هو الإبعاد من الرحمة إلى العقوبة «فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ» يعني يعاقبون حالا بعد حال قدرًا من العقاب لا يخفف عنهم في وقت من ذلك «وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ» لا يؤخر عنهم العذاب وقتًا «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ» يعني ندموا على ما أسلفوا وعزموا على ألا يعودوا إلى مثله «مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ» أي من بعد كفرهم «وَأَصْلحُوا» يعني أصلحوا أعمالهم فعملوا ما وجب عليهم من الطاعات وتركوا المعاصي، أزال التوهم بأن مجرد التوبة يكفي، وأنه متى ما ضم إليها شيئا من الفساد لم تصح، «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» يغفر لهم عند التوبة «رَحِيمٌ» يرحمهم بإيجاب الجنة لهم.

  · الأحكام: تدل الآية أن الهدى يكون بمعنى الإثابة لذلك قال: «لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» وذلك لا يليق إلا بالإثابة.

  وتدل على أن الكفر يحبط ثواب الإيمان.

  وتدل على أن الظالمين استحقوا اللعن، وتدل على وقوع اللعن ولا مانع منه.

  وتدل على أن التوبة تزيل العقاب وتوجب الغفران والرحمة.

  وتدل على أن مجرد التوبة لا تكفي في استحقاق الثواب إلا بعد أن يضم إليها القيام بالصالحات، خلاف قول المرجئة.

  وتدل على أن التوبة مقبولة بعد الكفر وسائر المعاصي.