قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين 96 فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين 97}
  فقال: «المسجد الحرام، ثم بيت المقدس»، فهو الصحيح؛ لأنه تعالى أضافه إليهم جميعًا، وذلك يقتضي الشركة في حكم، وليس ذلك إلا ما يتعلق بالعبادة، وقيل: أول بيت وضع فيه البركة، عن الضحاك، وقيل: أول بيت وضع للحج، وقيل: القبلة.
  واختلفوا من بناه أولاً، فقيل: خلقه اللَّه تعالى على وجه الماء، وكانت زبدة بيضاء ثم دحيت الأرض من تحتها، عن مجاهد وقتادة والسدي، وقيل: أنزل مع آدم ليطوف فيه، وقيل: كان مكان البيت المعمور فرفع وقت الطوفان، وقيل: بنته الملائكة فيما روي عن علي، وقيل: بناه آدم، عن ابن عباس، وقيل: بل بناه إبراهيم وإسماعيل على ما حكى اللَّه تعالى في كتابه. «لَلَّذِي بِبَكَّةَ» قيل: بكة هي مكة، عن الضحاك والمؤرخ ومجاهد وأبي مسلم، والعرب تبدل الباء ميمًا يقال: سبد رأسه وسمده، وقيل: مكة الحرم كله، ودخل فيها البيوت، و «بكة» المسجد، عن ابن شهاب وضمرة بن ربيعة، وقيل: بكة اسم للبلد، ومكة موضع البيت والمطاف، وعليه الأكثر، قال أبو عبيدة: بكة بطن مكة «مُبَاركا» قيل: مباركًا من يأتيه تعبدًا، ويقيم عنده تقربًا، لَمَّا سأل من عظيم الجزاء وجزيل الثواب، عن الأصم وأبي علي، وقيل: مباركًا لثبوت العبادة، دائمًا حتى يحكى أن الطواف لا ينقطع أبدًا، حكاه القاضي، وقيل: لأنه يضاعف فيه ثواب العبادة عن ابن عباس، ورووا فيه حديثًا طويلاً، وقيل: لأنه يغفر فيه الذنوب، ويحمل على الجميع؛ إذ لا يتنافى «وَهُدًى لِلعَالَمِينَ» قيل: رحمة للعالمين، عن أبي مسلم، وقيل: فوزًا، وقيل: سببًا للفوز والنجاة، وقيل: دلالة على اللَّه من حيث إنه دبره بما لا يقدر عليه غيره من أمن الوحش فيه، حتى يجتمع الكلب والصيد فلا يعدو عليه، وكاسر الطير إلى غير ذلك من الآيات، وقيل: قبلة للمسلمين ومطافًا، وقيل: لأنهم يحجونه، وبالصلاة إليه يكونون مهتدين «فِيه» أي في مكة «آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ» حجج ظاهرة «مقامُ إِبْرَاهِيمَ» قيل: مواقفه في الحج، وقيل: موضع قدميه، والآية في مقام إبراهيم هو أثر قدميه في حجر صلد، وسائر الآيات من أمن الخائف، وعدم إمحاق الجمار مع كثرة الرمي، وامتناع الطير من العلو على البيت، واستشفاء المريض به وتعجيل العقوبة لمن هتك حرمته، وهلاك أصحاب الفيل ونحوه، وقيل: (آيات بينات) هي الشعائر والمناسك، و (مقام