التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم 121 إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون 122}

صفحة 1295 - الجزء 2

  وابن إسحاق والأصم وأبي مسلم، وهو الأصح «تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ» أي تهيئ وتمكن، يعني تمكنهم أماكن يقاتلون فيها، وأصله اتخاذ منزل لصاحب يسكنه، فالنبي ÷ كان يبوئ لهم مواطن ليقفوا فيها ولا يفارقوها «مَقَاعِدَ» أي مواطن وأماكن «لِلقِتَالِ» وللحرب «وَاللَّهُ سميعٌ عَلِيمٌ» قيل: سميع لما يقوله المنافقون عليم بما يضمرون، وهو تهديد، وقيل: سميع لما يقوله المؤمنون عليم بما يضمرونه تزكية لهم، وقيل: سميع بما يشيرون عليك عليم بما يضمرون؛ لأنهم اختلفوا فمنهم من أشار بالخروج، ومنهم من أشار بالمقام، وفيه تزكية للداعي والمؤمنين، وتهديد للكافرين «إِذْ هَمَّتْ» قصدت وعزمت «طَائِفَتَانِ» فرقتان قيل: بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة حيان من الأنصار، عن ابن عباس وجابر والحسن وقتادة والربيع والسدي. وابن زيد وابن إسحاق، وكان ذلك في حرب أحد، وقيل: طائفة من المهاجرين وطائفة من الأنصار قالوا: ما خرجنا لجهاد ولم نأخذ أُهُبَتَهُ وهموا بالانصراف، فعصمهم اللَّه حتى حاربوا، عن أبي علي «مِنْكُمْ» من المسلمين «أَنْ تَفْشَلاَ» أي تَجْبُنَا، واختلفوا في سبب الفشل، فقيل: إن عبد اللَّه بن أبي دعاهما إلى الرجوع إلى المدينة وترك لقاء المشركين يوم أحد، فقال لهم: على ماذا نقتل أنفسنا، فهمّا به ولم يفعلا، عن السدي وابن جريج، وقيل: اختلافهم في الخروج إلى الحرب أو المقام؛ لأن بعضهم أشار بالخروج إلى أحد، وبعضهم بالمقام في المدينة، قال أبو علي: ولم تختلف الرغبة عن الجهاد، ولكن أشار كل واحد بما هو الصواب عنده، فعند وقوع التنازع أنزل اللَّه تعالى هذه الآية، وقيل: إنه كان في حرب بدر اختلفوا؛ لأنهم خرجوا للعير بغير أهبة الحرب، عن أبي علي، وقيل: فشلا بطلب الأمان من المشركين «وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا» أي ناصرهما ويواليهما «وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ»، أي يكل أمورهم إليه.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه ÷ كان يهيّئ المقام لأصحابه، ويأمر كل أحد بالوقف في موضع.