التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون 27}

صفحة 301 - الجزء 1

  · المعنى: ثم وصف تعالى الفاسقين الَّذِينَ تقدم ذكرهم فقال تعالى: «الَّذِينَ» يعني هم الَّذِينَ «يَنقُضُونَ» يهدمون، يعني لا يفون به «عَهْدَ اللَّه» قيل: ما ركب في عقولهم من أدلة التوحيد، وقيل: ما قدم إليهم علي ألسن الرسل من صفة محمد ÷ وما ذكر في التوراة والإنجيل {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} ويقال: أوامره لهم ونواهيه، عن أبي مسلم، يقال: عهد اللَّه: أي أمره، ونقض العهد هو ترك العمل به. فأما من قال: إنه العهد الذي أخذه اللَّه تعالى على ذرية آدم حين أخرجهم من صلب آدم فليس بصحيح؛ لأن أحدًا لا يتذكره، ولا عليه دليل، فكيف يكون حجة؟

  ويُقال: من الموصوف بهذه الصفات؟

  قلنا: قيل: أحبار اليهود، ومنهم المنافقون، وقيل: جميع الكفار.

  «مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ» أي من بعد توكيده عليهم، والهاء في قوله: (مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) قيل: تعود على اسم اللَّه تعالى، يعني أنه وكده عليهم، وقيل: ترجع على الميثاق والعهد، وكلاهما حسن «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّه به أَنْ يُوصَلَ» قيل: أُمِرُوا بصلة النبي ÷ والمؤمنين فقطعوهم، عن الحسن، وقيل: قطعوا رحم رسول اللَّه بعداوته بغضا وحسدًا، عن أبي مسلم، وقيل: أمروا بصلة الأرحام فقطعوها، عن قتادة، وقيل: أمروا بالإيمان بجميع الأنبياء والكتب ففرقوا، وقطعوا ذلك، وقيل: هو عام في جميع ذلك؛ إذ لا مانع من حمله على الجميع، «وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ» قيل: استدعاؤهم إلى الكفر هو الفساد، وقيل: عملهم به، وقيل: ما يحدث بسبب كفرهم من إخافة السُّبُل، وقطع الطرق وأنواع الظلم مما يمنع منه الإيمان، «أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» أي أهلكوا أنفسهم فهم بمنزلة من هلك رأس ماله، وقيل: فاتتهم الجنة واستوجبوا النار، فكانوا خاسرين.