التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم 129 ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون 130 واتقوا النار التي أعدت للكافرين 131 وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون 132}

صفحة 1310 - الجزء 2

  ويدخل فيه كل زيادة محرمة في المعاملات، وقيل: الربا عام في الجميع «أَضْعَافًا مُضاعفَةً» قيل: مضاعفة بالتأخير أجلا بعد أجل كلما أخر عن أجل زيد زيادة، وقيل: معناه تضاعفون به أموالكم، وإنما كرر تحريم الربا مع ذكره في سورة البقرة قيل: للتصريح في النهي عنه، وقيل: لتأكيد النهي لما يحتاج إليه من الزواجر «وَاتَّقُوا اللَّهَ» قيل: اتقوا معاصيه، وقيل: اتقوا عذابه بفعل طاعاته، وقيل: اتقوا اللَّه في أمر الربا، وقيل: اتقوا أن تحللوا شيئًا حرمه اللَّه «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي لكي تفلحوا، والفلاح: الظفر بالبغية «وَاتَّقُوا النَّارَ» يعني واتقوا الأفعال الموجبة لدخول النار «الَّتِي أُعِدَّتْ» هيئت «لِلْكَافِرِينَ».

  يقال: كيف قيل: «أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»، والفاسقون يدخلونها؟

  قلنا: فيه وجوه: قيل: لأن الكافر أحق بها، وإن كان غيره يدخلها من حيث كان الكفر أعظم الإجرام، ومعظم العقاب لهم، فكأنها معدة لهم، وقيل: إن عقابهم هو الأصل، وغيره تبع كقوله في الجنة: {أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ} وإن دخلها الأطفال والمجانين، وقيل: هي نار في دركة يكون فيها الكفار خاصة، وجهنم دركات، عن أبي علي، وقيل: إثباته لهم لا يدل على نفيه عن سواهم، ذكره القاضي «وَأَطِيعُوا اللَّه» فيما أمركم به، وأطيعوا الرسول فيما شرع لكم؛ لأن طاعته طاعة لله «لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» أي لكي ترحموا فلا يعذبكم.

  · الأحكام: تدل الآية الأولى أن الأمر كله إليه تعالى، وأن الغفران والتعذيب إليه، قال القاضي: والآية واردة في الكفار، والغفران مشروط بالتوبة، والتعذيب مشروط بالإصرار.

  وتدل الآية الثانية على أشياء:

  منها: تحريم الربا.

  ومنها: أن المال المأخوذ فيه محرم لئلا يظن أنه منهي، وإن كان المأخوذ فيه يقع ملكًا كالبيع وقت النداء.