التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين 133 الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين 134}

صفحة 1313 - الجزء 2

  و «السَّمَاوَاتُ والأَرضُ» يعني كعرض السماوات السبع والأرضين السبع إذا ضم بعض ذلك إلى بعض، عن ابن عباس والحسن، وقيل: تقديره: عرضها عرض السماوات فحذف كقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ} يعني كبعث نفس.

  ويقال: إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض، فأين تكون النار؟

  قلنا: سئل النبي ÷ عن ذلك فقال: «سبحان اللَّه، إذا جاء النهار فأين يذهب الليل» وهذه معارضة حسنة سقطت المسألة؛ لأن القادر على أن يذهب الليل حيث شاء قادر على أن يخلق النهار حيث شاء، وروي أن جماعة من اليهود سألوا عثمان عن ذلك، فأتى بهذا، فقالوا: إنه لمثلها في التوراة، وسئل ابن عباس عن ذلك، فأجاب كذلك.

  فإن قيل: فإن الجنة في السماء فكيف يكون لها هذا العرض؟

  قلنا: إنها فوق السماوات السبع تحت العرش، عن أنس وقتادة، والنار تحت الأرضين السبع، عن قتادة، وقيل: يزاد فيها يوم القيامة، عن أبي بكر أحمد بن علي والقاضي «أُعِدَّتْ» هيئت «لِلْمُتَّقِينَ» لمن اتقى معاصي اللَّه ومخالفة أمره، وإنما قال: «لِلْمُتَّقِينَ» وإن كان يدخلها غيرهم كالأطفال والمجانين والحور العين؛ لأنهم المقصودون، وغيرهم كالتبع، وقيل: لولا المؤمنون لما خلق اللَّه تعالى الجنة عن القاضي، ثم بيّن صفة المتقين، فقال: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ» يعني يخرجون أموالهم في أبواب البر «فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» قيل: في اليسر والعسر، عن ابن عباس كأنه قيل: في السراء بكثرة المال والضراء بقلَّته، وقيل: في حال السرور والاغتمام، أي لا يقطعه شيء في إنفاقه في وجوه البر، وقيل: ينفقونها فيما يحبون، وفيما يكرهون، وقيل: في اليسر ينفقون في الزكاة وغيرها من الواجبات، وفي العسر يؤثرون على أنفسهم، عن أبي مسلم «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيظَ» قيل: حلماء يتجرعون الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، وقيل: هم الَّذِينَ يردون غيظهم، ولا يكافئون من أساء إليهم خشية «وَالْعَافِينَ