التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون 135 أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين 136}

صفحة 1317 - الجزء 2

  كبيرة، وقال مجاهد: هما ذنبان، وقيل: هما جميع المعاصي، عن أبي علي وأبي مسلم «ذَكَرُوا اللَّه» قيل: ذكروا وعيد اللَّه، فيكون من الذكر بعد النسيان والمدح لأنهم تعرضوا للذكر، وقيل: ذكروا اللَّه بأن قالوا: اللَّهم اغفر لنا بإنابتنا وندمنا، عن مقاتل، وقيل: ذكروا نهي اللَّه، وقيل: ذكروا العرض على اللَّه عن الضحاك، وقيل: تفكروا أن اللَّه سائلهم، عن الواقدي «فاسْتَغفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ» أي طلبوا من اللَّه المغفرة «وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّه» قيل: فيه تقديم وتأخير، ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم، ولم يصروا «وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّه». وقيل: إنه يتصل بقوله: «فَاسْتَغْفَرُوا» تقديره: فاستغفروا لعلمهم أنه لا يغفر الذنوب إلا اللَّه، فلا يحتاج إلى تقديم وتأخير، ومعناه لا يغفر أحد الذنب إلا اللَّه، أي لا يقدر عليه، ولا يمكنه «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا» قيل: لم يقيموا ولم يدوموا لكنهم تابوا وأنابوا عن قتادة وغيره، وقيل: هو الذنب من غير توبة عن الحسن، وقيل: الإصرار السكوت وترك الاستغفار عن السدي، وعن النبي ÷: «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار» «وَهُمْ يَعْلَمُونَ» قيل: يعلمون الخطيئة بالذكر لها؛ لأنه تعالى يغفر للعبد ما نسيه، عن السدي وأبي علي، وقيل: يعلم الحجة في أنها خطيئة، فأما من اجتهد فأخطأ وهو لا يعلم أو لا دليل عليه فلا إثم عليه، وقيل: يعلمون أنها معصية، عن ابن عباس والحسن ومقاتل، وقيل: يعلمون أن اللَّه يملك مغفرة ذنوبهم، عن الضحاك، وقيل: يعلمون أنهم إن استغفروا غفر لهم، وأن التوبة تمحو الحَوْبَةَ «أُوْلَئِكَ» من تقدم ذكرهم «جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ» عفو عنهم وستر لذنوبهم «وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ» أي تحت أشجارها وأبنيتها «الأَنهَارُ» يعني الماء في الأنهار «خَالِدينَ» دائمين «فِيهَا» في الجنات ونعيمها «وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ» أي نعم أجر المطيعين ما ذكر.

  · الأحكام: تدل الآية على أن التوبة توجب المغفرة، وتدل على أن الإصرار على الذنب كبيرة.