التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين 137 هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين 138}

صفحة 1319 - الجزء 2

  · المعنى: لما بَيَّنَ تعالى ما فعله بالمؤمنين والكافرين في الدنيا والآخرة بَيَّنَ أن ذلك عادته تعالى في خلقه، فقال سبحانه: «قَدْ خَلَتْ» أي مضت «مِنْ قَبْلِكُمْ» يا أصحاب محمد، وقيل: إنه خطاب لمن انهزم يوم أحد، تقديره: قد كان لي نِقَمٌ فيمن مضى، فاعتبروا بها أيها المكذبون بمحمد ÷ «سُنَنٌ» قيل: أمثال، عن ابن زيد، وقيل: أمم، عن المفضل، والسُّنّة: الأمة، قال الشاعر:

  مَا عَايَنَ النَّاسُ مِنْ فَضْلٍ كَفَضْلِكُم ... وَلاَ رَأْوا مِثْلَكُمْ من سَالِفِ السَّنَنِ

  وقيل: معناه أهل سنن في الشر، عن الزجاج، وقيل: شرائع، عن عطاء، وقيل: أحكام، عن الأصم، وقيل: نصيب لكل أمة سنة أي طريقة إذا اتبعوها ¤، عن الكلبي، وقيل: سنن بالهلاك فيمن كذب قبلكم، عن مجاهد، وقيل: هلاكه إياهم عند عصيانهم بالاستئصال، وسمي سنة لكثرة فعل اللَّه ذلك بهم، عن أبي علي، وقيل: بإمهالهم إلى منتهى آجالهم ثم أخذهم، وقيل: أوامره فيهم ونواهيه، وقيل: بالهلاك في الكافرين كعاد وثمود وغيرهم، وبالنجاة في المؤمنين، وتقديره: الآية قد مضت مني فيمن كان قبلكم من الأمم سنن وطرائق «فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [فانظروا]» إلى آثارهم «كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ» الَّذِينَ كذبوا أنبياء اللَّه، قيل: هذا تنبيه على أنه تعالى لا يقطع نعمه على أعدائه، وقيل: بل تسلية للمؤمنين يوم أحد يقول: أمهلتهم ثم أخذتهم على ما تقتضيه الحكمة «هَذَا» قيل: هذا القرآن، عن الحسن وقتادة، وقيل: ما أوحيت إليك مما حاججت به، وما نصرتك به، والظفر الذي حصل، عن الأصم، وقيل: ما تقدم ذكره في قوله: «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبلِكُمْ سُنَنٌ» وقيل: هذا الذي عرفتكم، عن ابن إسحاق «بَيَانٌ» أي دلالات تدلهم على الحق، وقيل: بيان أنه من عند اللَّه، عن الأصم «وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ» فالبيان إظهار المعنى للنفس كائنًا ما كان، والهدى بيان طريق الرشد «لِلْمُتَقِينَ» خصهم لأنهم اهتدوا به، وإن كان هدى لجميع الناس، وقيل: لطفًا لهم يدعوهم إلى الطاعة، والمتقي من يتقي معاصي اللَّه.