التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين 142 ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون 143}

صفحة 1327 - الجزء 2

  وأما الكسر فعلى العطف على أول الكلام، و (يعلم) مجزوم ب (لما)، إلا أن الميم حركت لاجتماع الساكنين، وقد رَفَعَ بعضهم و (يعلمُ) على الابتداء.

  · اللغة: التمني: هو قول القائل: ليت فلانًا كذا، وقيل: إنه معنى في القلب يطابق هذا القول، والصحيح هو الأول، وأصله يَتَمَنَّيونَ حذفت الياء طلبًا للخفة.

  والنظر ينقسم فيضاف إلى القلب ومعناه التفكر، وإلى العين ومعناه تقليب الحدقة نحو المرئي التماسًا لرؤيته، مع سلامة الحاسة، وينقسم من وجه آخر، يقال: نظر إليه نظر غضبان، ونظر راضٍ، ونظر شزرًا، ونظر رحمة.

  · الإعراب: (أم) استفهام، والمراد الإنكار أي لا تحسبوا ذلك، و (لما) جواب لقول القائل: قد يفعل فلان، فجوابه: لما يفعل، وإذا قال: فعل، فجوابه: لم يفعل، وإذا قال: قد فعل، فجوابه: ما فعل، وإذا قال: يفعل، فجوابه: لن يفعل ولا يفعل.

  والكناية في «تلقوه» و «رأيتموه» راجعة إلى الموت، وقيل: إلى الجهاد.

  · المعنى: لما حث اللَّه تعالى في الجهاد رغب فيه بما وجب لهم من الثواب زاد في البيان بما أخبر أن الجنة لا تنال إلا بالتقوى، فقال سبحانه: «أَمْ حَسِبْتُمْ» أي ظننتم أيها المؤمنون «أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»، وقيل: ولم يظهر المعلوم من الجهاد والصبر موجودًا كما علم غيبا، وقيل: ذكر العلم وأراد المعلوم، يعني ولما يقع الجهاد، فنفى العلم مبالغة؛ إذ لو كان لَعُلِمَ كقولهم: ما علم اللَّه مني خيانة، أي ما خنت، «وَلَقَدْ» تأكيد «كُنتُم» يا أصحاب محمد «تَمَنَّوْن الْمَوْتَ» قيل: ذلك بعد بدر، وقيل: أُحُد كان من لم يحضر بدرًا يتمنى