التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور 154}

صفحة 1354 - الجزء 2

  ونصب «طائفة» لوقوع الفعل عليه، وهو (يغشى)، تقديره: يغشى النوم طائفة، فأما (طائفة) فمرفوع بإجماع القراء وهو رفع بالابتداء وخبره: «يظنون» وقيل: «أهمتهم أنفسهم»، ويجوز النصب في العربية على أن يجعل الواو للعطف، وتقدير الرفع كقولهم: رأيت رجلين يقتتلان، رجلاً راكبا ورجل راجل، يعني رأيت رجلاً راكبًا ورجل هذه حاله.

  · النزول: عن الزبير بن العوام قال: لقد رأيتني مع رسول اللَّه ÷ حين اشتد الخوف أرسل علينا النوم، واللَّه كأني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية، «ثُمَّ أَنْزَلَ».

  وقيل: كان هذا يوم أحد عن أبي طلحة وعبد الرحمن بن عوف والزبير وقتادة والربيع، وكان السبب فيه توعد المشركين لهم بالرجوع، وكانوا متهيئين للقتال، فأنزل اللَّه تعالى الأمنة على المؤمنين فناموا دون المنافقين الَّذِينَ أزعجهم الخوف بسوء الظن فطيّر عنهم النوم عن قتادة والربيع وابن إسحاق وابن زيد، فنزلت الآية.

  وقيل: إن أبا سفيان قال: نمر بالمدينة فنغير عليهم، فقال النبي ÷: «انظروا، إن قعدوا على أحمالهم وجنبوا أفراسهم فهم يهربون، وإن قعدوا على الأفراس وجنبوا الأحمال فإن القوم ينزلون المدينة، فاتقوا اللَّه واصبروا» فقعدوا على الأثقال، فنادى رسول اللَّه ÷: «القوم ذاهبون» فأنزل اللَّه تعالى الأمنة على المؤمنين حتى استراحوا وناموا وزاد خوف المنافقين؛ لأنهم لم يصدقوا فيما أخبر، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.

  · المعنى: لما تقدم ذكر ما نالهم عقّبه بذكر ما منّ عليهم من الأمن فقال تعالى: «ثُمَّ أَنْزَلَ»