قوله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور 154}
  لفظ الإنزال توسع، والمراد به وهب وأعطى أمنة ونعاسًا وحقيقة أنه خلق فيهم النوم ومعناه: وهب اللَّه لكم أيها المؤمنون «مِنْ بَعْدِ» ما نالكم يوم أحد من الغم «أَمَنَةً» يعني أمنًا «نُعَاسًا» أي نومًا؛ لأن النوم يقارن الأمن، كما أن الأرق يقارن الخوف، وهذا أمر معروف معتاد بين الناس، ثم بيّن تعالى أن تلك الأمنة لم تكن عامة، بل كانت لأهل الإخلاص، وبقي لأهل النفاق الخوف والسهر فقال تعالى: «يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ» يعني المؤمنين «وَطَائِفَةٌ» استأنف الكلام بذكر المنافقين يعني وطائفة وهم المنافقون عبد اللَّه ابن أبي ومعتب بن قشير وأصحابهما «قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ» قيل: حملتهم على الهم، يقال: أمر مهم فمنه قول العرب: هَمُّكَ ما أهَمَّك، قال أبو مسلم: ومن عادة العرب أن يقولوا لمن يخاف: قد أهمته نفسه، وقيل: لا همَّ لهم غير أنفسهم وخوف المنية قد طَيَّرَ عنهم الكرى عن أبي علي، وقيل: كان المؤمن همه النبي والمؤمنون، والمنافق همه نفسه، وقيل: همهم خوف رجوع الكفار إليهم؛ لأنهم كانوا لا يصدقون الرسول فيما أخبرهم به من هرب القوم عن الأصم «يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ» قيل: كان ظنهم أنهم سيغلبون؛ لأن أهل الجاهلية لم يكونوا على ثقة بالدين وكان ظن المنافقين كظنهم، وقيل: ظنهم يأسهم من نصر اللَّه وشكهم في سابق وعده بنصره رسوله عن أبي مسلم، وقيل: ظنهم أن محمدًا قد قتل، وقيل: ظنهم أن أمر محمد باطل كظن أهل الجاهلية عن الأصم، وقيل: ظنهم ما ذكر بعده «يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمرِ مِنْ شَيْءٍ» قيل: هذا التفسير ظنهم، يعني يقول بعضهم لبعض: هل لنا أي أنطمع أن تكون لنا الغلبة على هَؤُلَاءِ؟! وقيل: هو استفهام والمراد به الإنكار، يعني ليس مما وعدنا محمد من الظفر عليهم شيء على جهة التكذيب لذلك عن أبي علي، وقيل: المراد أنا أخرجنا كرهًا ولو كان الأمر إلينا ما خرجنا عن الحسن، وهذا القائل قيل: عبد اللَّه بن أُبيّ ومعتب بن قشير عن الزبير بن العوام وابن جريج «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ المنافقين «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ» قيل: العواقب لِحِزْبِهِ، والأمر إليه يصرفه كيف يشاء، فربما عجَّل النصر وربما أخره لنوع من المصلحة ولا يكون لوعده خلف، ثم عاد إلى الإخبار عن نفاقهم فقال سبحانه: «يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ» أي يضمرون من الكفر ما لا يظهرون، وقيل: يخفون إليك في خبرك بالظفر على الكفار عن أبي علي، وقيل: تفسير يخفون ما لا يبدون قوله: «يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمرِ