التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم 155 ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير 156 ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون 157 ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون 158}

صفحة 1360 - الجزء 2

  ويُقال: لم جاز جواب القسم مع الماضي في الجزاء دون المستقبل نحو: لئن قتلتم لمغفرة؟

  قلنا: لأن حرف الجزاء إذا لم يعمل في الجواب لم يحسن أن يعمل في الشرط؛ لأن إلغاءه من أحدهما يوجب إلغاءه من الآخر، كما أن إعماله في أحدهما يوجب إعماله في الآخر؛ لئلا يتنافى الكلام في التفاوت.

  ويقال: أي لام في قوله: «ولئن متم» وفي: «لإلى اللَّه»؟

  قلنا: أما الأولى ففيها قولان:

  أحدهما: أنه حلف من القسم، والثانية جوابه كقوله: واللَّه لئن متم أو قتلتم لتحشرون إلى اللَّه.

  الثاني: أنها مؤكدة لما بعدها، وتكون الثانية جوابًا للقسم المحذوف.

  · المعنى: ثم بيَّن تعالى ما فعل القوم وما أسدى إليهم ونهى المؤمنين أن يفعلوا مثل فعلهم فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا» أعرضوا «مِنْكُمْ» أيها المؤمنون، قيل: هو كل من ولى الدبر عن المشركين بأُحدٍ عن عمر بن الخطاب وقتادة والربيع، وقيل: كل من هرب إلى المدينة في وقت الهزيمة عن السدي، وقيل: بدلوا من المكان الذي رتبهم فيه رسول اللَّه، ÷ لا للفرار من الزحف لكن طمعًا في الغنيمة فقالوا: إن رسول اللَّه ÷ هزمهم فوجد الشيطان إليهم سبيلاً لطمعهم في الدنيا فاستزلهم «يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ» يعني بأحد أحدهما: جَمْعُ المسلمين وسيدهم رسول اللَّه ÷، والثاني: جمع المشركين ورئيسهم أبو سفيان بن حرب وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل. «إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيطَانُ» قيل: حملهم على الزلة والخطيئة عن المفضل، وقيل: طلب زلتهم عن [القتبي]، وقيل: أزال واستزل يعني «بِبَعْضِ ما كَسَبُوا» قيل: كسبهم حرصهم على الحياة وحبهم للغنيمة، وجد الشيطان إليهم سبيلاً فزين ذلك في قلوبهم، ولو جاهدوا للدار الآخرة لهان عليهم الموت، وفيه زجر عما