التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم 155 ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير 156 ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون 157 ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون 158}

صفحة 1361 - الجزء 2

  يؤدي إلى الفتور في أمره تعالى عن أبي علي، وقيل: استزلهم بذكر خطايا سلفت منهم فكرهوا القتل قبل إخلاص التوبة منها والخروج من المظلمة عن الأصم والزجاج، وقيل: كَسْبُهم: قَبولُهم من الشيطان ما وسوس إليهم في أمر الهزيمة عن الحسن، وقيل: كسبهم إخلالهم بالموضع الذي رتبهم فيه فوجد الشيطان إليهم سبيلاً عن أبي مسلم، وقيل: إنه تعالى بين أن الشيطان تمكن منكم بما عصيتم لكي يعلم أن الذنوب تؤدي بعضها إلى بعض حتى تجتلب الذنوب كلها، واختلفوا، فقيل: الآية خرجت مخرج الشكاية، وقيل: بل مخرج إبانة عذرهم، «وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ» قيل:

  عفا عنهم لأنهم أخلصوا التوبة بعد أن فارقوا المكان الذي رتبهم فيه وتركوا أمر الرسول عن أبي علي، وقيل: عفا عنهم أي حلم فلم يعاجلهم بالعقوبة، ليدل على عظم تلك المعصية عن ابن جريج وابن زيد، وقيل: عفا عنهم لما حل بهم من الشهادة؛ لأنهم رجعوا إلى الحرب بعد رجوع الكفار، وقيل: عفا عنهم بفضله ورحمته لما علم من حسن ثباتهم وما سبق من طاعاتهم، وكانت عزيمتهم لخوفهم من اللَّه لذنوب سلفت منهم فعفا اللَّه عنهم عن الأصم، «إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» يغفر الذنوب يسترها بالعفو «حَليمٌ» يمهل فلا يعجل بالعقوبة، وقيل: غفور للتائبين حليم عن المصرين؛ لأنه لا يخاف فوتهم، ثم نهى المؤمنين عن الاقتداء بهم في أفعالهم فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» خطاب لأصحاب النبي ÷ «لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا» قيل: أراد المنافقين عبد اللَّه بن أُبي وأصحابه عن السدي ومجاهد، وقيل: هو عام «وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ» قيل: في النفاق والكفر، وقيل: في النسب «إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ» سافروا لتجارة أو طلب معيشة فماتوا عن السدي وابن إسحاق، وإنما خص الأرض بالذكر، قيل: لأن أكثر أسفارهم كان في البر، وقيل: اكتفى بذكر البر عن ذكر البحر كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وقيل: لأن الأرض تشتمل على البر والبحر «أَوْ كَانوا غُزى» أي غزاة محاربين للعدو فقتلوا «لَوْ كَانوا عِنْدَنَا مَا